''جنة زهرة''....صرخات مصورة للظلم والظلام
"جنة زهرة" رواية مصوَّرة من تأليف وإعداد الفنَّانين المجهولين أمير وخليل تدور أحداثها في الفترة التي تلت الاحتجاجات على الانتخابات الرئاسية الإيرانية في صيف عام 2009. وتبدأ هذه الرواية المصوَّرة التي تم نشرها في البدء كسلسلة على الإنترنت بمشهد غريب يعرض صبيًا صغيرًا يعيش في مكان ما في جبال إيران ويقوم بإطعام بعض الجراء الذين يرضعون من صدر أمِّهم. ويطلق هذا الصبي على الجراء أسماء الشخصيات الأسطورية العظيمة المعروفة من كتاب الفردوسي الشاهنامة والذي يعدّ أعظم ملحمة وطنية فارسية ومثالاً للثقافة الفارسية. وفي هذه اللحظة يرتفع في الجبل صوت المؤذِّن من المسجد، وعلى الفور يركض الصبي إلى البيت، حيث يكون بانتظاره والده ذو النظرات الصارمة. ويخرج الأب من البت وبيده مجرفة ويحفر قبرًا.
وثم يضع الجراء وأمَّهم في كيس وينهال عليهم ضربًا بالمجرفة إلى أن يتدفَّق الدم من الكيس. ثم يرمي هذا الكيس بما فيه من "مخلوقات نجسة" في النهر. وعلى طرف هذا الرسم كتبت عبارة "جيل ضائع"، ويطفو الكيس للحظات على سطح النهر ومن ثم يغرق في القاع. يترك القارئ وحده في البدء مع هذه الصور الرمزية قبل أن ينتقل على الصفحة التالية إلى أحداث الرواية المصوَّرة "جنة زهرة" التي تبدأ بقصة أم يائسة فقدت ابنها مهدي بعد بضعة أيَّام من إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران/يونيو 2009. يختفي ابنها مهدي منذ الاحتجاجات التي خرجت في ساحة أزادي في غرب طهران، ويبدأ الآن شقيق مهدي الصغير حسن بكتابة قصته في مدوِّنة عنوانها "جنة زهرة".
دورة مكثفة حول تاريخ وسياسة إيران

وفي رواية "جنة زهرة" يحصل القارئ غير المطلع على تاريخ جمهورية إيران الإسلامية وسياستها على دورة مكثَّفة. ومع ذلك لا يخلو هذا الكتاب من الصور النمطية كما أنَّه يبرز الجبهات برسومات مؤثِّرة؛ إذ يصوِّر عناصر ميليشيات الباسيج شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بصور رجال مريبين ومتوحشين والملالي بصور فزَّاعات. كما أنَّه يعرض المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي بأنف صقر معقوف تحيط به مجموعة من السياسيين الذين ينظرون كخدم منصاعين إليه. وتصوِّر الرواية بعض مشاهد الإعدام والاغتصاب في السجن، إذ تبدو إيران أحيانًا مثلما يصوِّرها أمير وخليل مظلمة للغاية؛ وحول ذلك قال خليل في حوار مع إذاعة دويتشلاند فونك الألمانية: "لقد بحثت كثيرًا من أجل رسوماتي وكان ذلك كما لو أنَّني كنت أزور الأماكن وأرى الناس. وكان ذلك صعبًا جدًا، وكان لا بد لي من التفرّغ لهذا العمل ورسم هذه الصور الموجودة في ذهني في رسومات، وأحيانًا كنت لا أستطيع النوم وتناول الطعام طيلة أيَّام".
حضور الموت في كلِّ مكان
كلّ الطرق تؤدّي إلى المقبرة
وتبدو أيضًا شخصية آية الله ظاهر شخصية مثيرة للاهتمام، وهو رجل مسن ومهذب ومعمَّم بعمامة سوداء ويشبه إلى حدّ ما الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. هل يمكن أن يكون هذا صدفة؟ إذ يَعدُ آيه الله ظاهر والدة مهدي بالمساعدة ولكن يتبيَّن لاحقًا أنَّه مجرَّد دمية في يد النظام كما أنَّه يمنع أسرة مهدي من الكشف عن مصير ابنها. ولا ينتهي مصير مهدي نهاية خيالية سعيدة مثل مصير كثير من الشباب الذين خرجوا في احتجاجات العام 2009، حيث كانت كلّ الطرق تؤدِّي في النهاية إلى مقبرة "بهشت الزهراء" (جنة الزهراء)، أي إلى تلك المقبرة الكبيرة جدًا والتي تقع في ضواحي طهران وسميت على اسم فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد. تحتوي هذه المقبرة على أكثر من مليون قبر وكذلك على قبور الأشخاص الذين سقطوا في الاحتجاجات ورمزت لهم صورة الجراء الذين أطلق عليهم الصبي الصغير في بداية الرواية أسماء الأبطال الشعبيين العظماء الكلاسيكيين.
ويقول مؤلفا الرواية أمير وخليل إنَّ جيل الشباب ليس وحده المهدَّد في إيران، بل كذلك أيضًا التراث الفارسي القديم، إذ تمثِّل رواية "جنة زهرة" إيران الضائعة. ومهدي ليس مجرَّد اسم لبطل هذه الرواية المصوَّرة، بل هو أيضًا اسم "الإمام الغائب" صاحب الزمان المهدي المنتظر الذي سيعود من أجل إنقاذ العالم. استخدم المؤلفان موت المهدي في الجمهورية الإسلامية كتعبر مجازي يشير إلى هذا النظام الذي أنشأه باسم الدين حرَّاس الثورة الإسلامية - نظام يقمع شعبه ويستعبده بدلاً من أن يدله على طريق الخلاص الديني. يدين المؤلفان أمير وخليل من خلال مزجهما العبارات مع الصور بتركيب فنِّي هذا النظام الغارق منذ تأسيسه بمتناقضات عميقة بسبب تفسيره العقائدي "للإسلام" و"الجمهورية".
ماريان بريمر
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
أمير وخليل، جنة زهرة - الثورة الخضراء في إيران وبحث أم عن ابنها. مدوَّنة على الانترنت www.zahrasparadise.com. صدرت في كتاب بالألمانية عن دار نشر Knesebeck.