“التراث اليهودي المسيحي ليس إلا بدعة”




كلا، لم يكن هناك تراث يهودي مسيحي، إنه مجرد اختراع توصلت إليه الحداثة الأوربية، كما أنه الطفل الأثير لدى الألمان المصابين بالصدمة التاريخية. إن المشترك اليهودي المسيحي مجرد اختلاق، متأثر بنزعة التقدم التي بلغت ذروتها في الإصلاح الكنسي والثورة الفرنسية. لم يبدأ الحوار اليهودي المسيحي في ألمانيا إلا بعد المحرقة. آنذاك كانت الخطوط الفاصلة تتطابق تطابقاً عبثياً مع الخطوط الفاصلة بين القناعات اليهودية والإسلامية.
نادراً ما كانت هناك شهادة علنية تبين ذلك القاسم المشترك الواضح بين كلا التراثين مثلما حدث عندما قامت الدنيا ولم تقعد في الجمهورية الألمانية عندما أدلى نافيد كيرماني بتصريحات حول الصليب، إلى أن أشار في النهاية المدافعون عن موقفه، مثل ميشا برومليك – وإنْ فعل ذلك بصوت خافت – أن لاهوت الصليب بكافة تجلياته هو في نظر عديدين من اليهود ليس إلا تجديف على الرب في نهاية المطاف.
في وقت كانت ألمانيا تحتضن علماءً يهوداً كانوا يتميزون بنزعة فكرية نقدية كوزموبوليتية فريدة، كما كانوا يشعرون بالتقارب في الفكر بين التراث الكلاسيكي اليهودي ونظيره الإسلامي، كان الأحبار اليهود يقدرون العلاقة بين اليهود والمسلمين حق قدرها. حتى مطلع الثلاثينات من القرن العشرين كان الأحبار اليهود يستمدون العون من مفكري عصر التنوير العربي عندما يدافعون عن تراثهم العقلي العالمي وكذلك لدى نقدهم للمسيحية. اليوم لا يكاد أحد يتذكر أن رسالة موسى بن ميمون التنويرية السياسية المعنونة بـ "القدس" (1789) كانت تستند على حجج وأسانيد التراث التنويري العربي، لا سيما في المقاطع التي يحيد فيها ابن ميمون عن كانط. ولنتذكر أيضاً أن الاتهام العام كان موجهاً في القرن التاسع عشر إلى اليهود وتقاليدهم بأنهم يرفضون الاندماج، وأن ولاءهم مزدوج، وروحانيتهم ساذجة، وأنهم يعزلون أنفسهم عزلاً مرَضياً عن مواطنيهم الألمان.
تناقضات العصر والتاريخ
وفي حين أننا اليوم نعيش زماناً يتم فيه منح الجوائز إلى رسامي الكاريكاتير الذين يرسمون النبي بقنبلة تحت عمامته، كانت محكمة الولاية في ماربورغ تنظر عام 1888 في قضية رُفعت ضد مدرس قام قبلها بعامين بتوجيه طعنة مماثلة في الخطورة إلى قلب التراث اليهودي؛ ففي غمرة النقاش الحامي الوطيس حول معاداة السامية في برلين، وفي وسط الجدل حول المجتمعات اليهودية الموازية للمجتمع الألماني واستحالة الجمع بين التقاليد اليهودية وقيم مجتمع الأغلبية الألماني، ادّعى ذلك المعلم أن التلمود يسمح لليهود بأن يسلكوا سلوكاً غير أخلاقي تجاه غير اليهود. اعتبرت الطائفة اليهودية ذلك الادعاء إهانة لها ولليهودية جمعاء، ولذلك رفعت قضية ضد المعلم. في خلال القضية طلبت المحكمة من اثنين من الخبراء أن يجيبوا على السؤال التالي: "هل توجيه السباب إلى التلمود يعني سب الديانة اليهودية كلها؟" إذا كانت الإجابة بنعم فإن الأمر يستدعي توقيع العقوبة على المتهم.
آنذاك أشرق نور الفهم حتى على أكثر المثقفين اليهود تأقلماً مع المجتمع الألماني، وعرفوا أن الزمن تغير، وأن عليهم أن يعلنوا عن موقفهم بوضوح. في تلك المحاكمة تولى العالم اليهودي هرمان كوهين، وهو من أتباع المدرسة الكانطية الجديدة، الدفاع عن التلمود اليهودي. أما الحكم فصدر بحبس المتهم أربعة عشر يوماً. واليوم نعلم أن تلك القضية لم تستطع أن تضع حداً للتهميش القسري وعمليات الاغتيال والقتل.
لقد تغيرت الجبهات. ماذا نقرأ اليوم؟ "الإسلام دين توحيدي عنيف لا يستطيع إنكار جذوره الحربية البدوية العربية"، و"ستة ملايين مسلم في جمهورية ألمانيا الاتحادية يخلقون صعوبات في التأقلم مع المجتمع والاندماج فيه". في زمنٍ تحوم الشبهات العامة حول التقاليد الإسلامية، يلزم تجديد أواصر العلاقة بين المثقفين اليهود و المسلمين في ألمانيا. لقد حان وقت اتخاذ موقف واضح. حيثما يكون المسلمون غرباء، نكون نحن أيضاً غرباء.
ألموت ش بروكشتاين كوروه
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: تاغيس شبيغل/ قنطرة 2010
ألموت ش بروكشتاين كوروه أستاذة الفلسفة اليهودية وعضو في "معهد كيته هامبورغر" في بون، وقد نُشر لها مؤلفات عديدة خارج ألمانيا وداخلها. في عام 2009 أشرفت على تصميم معرض بعنوان "تصوير – التصوير بين الإسلام والحداثة" في متحف مارتين غروبيوس.
قنطرة
اليهود العرب والأدب العربي:
اللغة والشعر والهويّة المتفرّدة
يبدو تصوّر الهويّة اليهودية-العربية المشتركة متعذّر اليوم بحكم الوضع السياسي القائم في الشرق الأوسط، بيد أنها كانت حقيقة واقعة قبل الحرب العالمية الثانية، كما هي الحال مع الهويّة اليهودية-الألمانية. شهود هذه الهويّة اليهودية-العربية الممتزجة هم اليهود الناطقون باللغة العربية وشعراؤها.
التصوف اليهودي والإسلامي:
على خطى الصوفية بعباءة يهودية
أحدث الصراع في منطقة الشرق الأوسط فجوةً عميقةًً بين اليهود والمسلمين. بينما يُنسى أن هاتين الديانتين قد أغنت بعضها بعضًا في الفلسفة والتقاليد الروحانية على مدى عدة قرون من الزمن. نيمت شكر تلقي الضوء على جوانب تأثير الإسلام الصوفي على التصوف اليهودي.
الكتاب اليهود العراقيون في إسرائيل:
مشاعر الحنين إلى بلاد الرافدين وجسور التواصل اللغوي
يتساءل كثيرون عن سرّ سيطرة المهاجرين العراقيين على مواقع ثقافية وأكاديمية مهمة في إسرائيل. فقد تمكن الكتاب اليهود العراقيون من اختراق حواجز الثقافة الغربية عبر الكتابة بالعبرية وتسجيل الذاكرة العراقية بالكتابة بالعربية. ليندا منوحين عبد العزيز من تل أبيب تعرفنا بجوانب هذا الأمر.