فلسطين في ظلِّ الربيع العربي
عندما بدأ الربيع العربي العام الماضي مع إنطلاق ثورتي تونس ومصر خرج الفلسطينون أيضًا للتعبير عن رفضهم الأوضاع السائدة؛ حيث خرج الشباب في رام الله وغزة في عدة مظاهرات أوقفتها بسرعة قوَّات الأمن الفلسطينية. وطالب المتظاهرون بإنهاء الانقسام الفلسطيني كما أنَّهم دعوا كلاً من السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح في الضفة الغربية وقيادة حركة حماس في قطاع غزة إلى التغلّب على نزاعاتهم وتشكيل حكومة وحدة وطنية، إذ لا يمكن للفلسطينيين التخلّص من الاحتلال الإسرائيلي إلاَّ من خلال توحيد صفوفهم وقواهم.
واليوم وبعد مضي عام لم يتغيَّر الكثير بالنسبة للناس الذين يعيشون في المناطق المحتلة، إذ مرَّت رياح الربيع العربي الثورية على فلسطين من دون أن تترك أي أثر تقريبًا. لكن ما تزال قضية الوحدة الوطنية الفلسطينية مطروحة على جدول الأعمال. ويقول الصحفي هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية الذي يعد مركز أبحاث مؤثِّر في رام الله، "نحن نعيش في الجحيم، إنَّ الاحتلال الإسرائيلي هو الجحيم بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين ولا يمكننا محاربته بنجاح إلاَّ إذا تغلَّبنا على انقسامنا الداخلي". ويراقب المصري بتفاؤل حذر التقارب بين حركتي فتح وحماس، هذا التقارب الوجل والخجول الذي طغت عليه النكسات. وهو مقتنع بأنَّ الفلسطينيين لا يمكنهم التحرّر من الاحتلال إلاَّ إذا تغلّب هذان الطرفان المتحاربان على خلافاتهما. ويقول المصري إنَّ كلا الجانبين على الطريق الصحيح منذ أن تصافح في بداية شهر شباط/فبراير الماضي في الدوحة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اتَّفق بعد ذلك بفترة قصيرة خالد مشعل ومحمود عباس في القاهرة على تشكيل حكومة انتقالية من المفترض أن تتولى مهامها حتى موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في هذا العام. ومن المفترض أن يتولى رئاسة هذه الحكومة الانتقالية محمود عباس الذي يشغل منصب رئيس السلطة الوطنية والقائد العام لقوَّات الأمن ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح. وبهذا ستزداد كثيرًا سلطة الرئيس محمود عباس الذي أشار مرارًا وتكرارًا في الماضي إلى أنَّه تعب من منصبه وهدَّد بالانسحاب من الحياة السياسية.
زيادة الضغوطات على الفلسطينيين

المصالحة بين حركتي فتح وحماس؟

المقاومة السلمية ضد الاحتلال
والإعلامية وفاء عبد الرحمن تميل كثيرًا إلى ما يسمى بالمقاومة الشعبية في الضفة الغربية. ومن هذه المقاومة المظاهرات السلمية وأعمال العصيان المدني ضدّ قوَّات الاحتلال الإسرائيلي. وتقول إنَّ هذه المقاومة السلمية تحتاج إلى التضامن والدعم من الغرب. وكذلك يرحِّب المراقب السياسي الفلسطيني وفيق خالد ناطور بالمظاهرات التي تخرج في الضفة الغربية احتجاجًا على نزع ملكية الفلسطينيين وضدَّ الجدار الإسرائيلي وضدّ توسع المستوطنات. ويقول إنَّ "إسرائيل تدمِّر بسياستها الاستيطانية ومن خلال طرد الفلسطينيين من المناطق الريفية في الضفة الغربية حلَّ الدولتين". و يتظاهر في كلِّ أسبوع الشباب الفلسطينيون ضدّ الاحتلال، وكثيرًا ما يدعمهم في احتجاجاتهم نشطاء سلام عالميون وإسرائيليون. ومن خلال مظاهراتهم هذه ينقلون إلى فلسطين مطالب الربيع العربي من أجل الحرية والمساواة والمشاركة الاجتماعية. وتختمر هذه الاحتجاجات في كلِّ أنحاء الضفة الغربية لا سيما وأنَّ الجيش الإسرائيلي يقمع المظاهرات بالقوة ويقوم باعتقال قادتها. وإذا ظلت الأوضاع تتفاقم فمن الممكن أن تندلع انتفاضة ثالثة، حسب تقدير وفيق ناطور.
الشباب يطالب بثورة

ولكن هل ستكون انتفاضة ثالثة أم ربيعًا فلسطينيًا؟ يحافظ الناشئون والشباب في الضفة الغربية وفي قطاع غزة على اتصالات وثيقة مع أقرانهم في كلّ من مصر وسوريا وليبيا ودول عربية أخرى. وكذلك يطالب الشباب الفلسطينيون مثل أقرانهم الشباب في الدول العربية بالديمقراطية والمشاركة والحقوق الاجتماعية. ويدعمهم في ذلك الكثير من السياسيين والمثقَّفين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي دول الشتات. وقبل فترة قصيرة كتب الطبيب الفلسطيني النائب مصطفى البرغوثي في صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون: "ما نحتاجه هو نسخة فلسطينية من الثورات العربية". وليس الهدف من حركة المقاومة السلمية إنكار حقِّ إسرائيل في الوجود، بل فقط نزع الشرعية عن الاحتلال.
بتينا ماركس
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله/قنطرة 2012