أركيولوجيا الإيروتيكا في العالم العربي والإسلامي



قُيِّدت الجنسانية وحُمِّلت بالذنب - اعتُقِد أن ممارسة العادة السرية تضر بالصحة العقلية والبدنية، وكان يجري الحديث عن الجماع بوصفه فعلاً رصيناً لا ينبغي أن ينحرف إلى أي مسارات غريبة. كما كانت الفكرة السائدة أن قذف الذكر خارج الجنس الزوجي يُسبّبه "نَزُّ المني" [المَذي: سائل يخرج من الذكر عند الملاعبة والتقبيل]؛ وأولئك الذين شُخِّصوا بذلك كانوا يُجبَرون على الختان أو الخصي أو ارتداء حزام العفّة، وهو نوع من درع معطِّل للعضو الذكري فقط. استقطاب جنسانية الأنثى مالت جنسانية الأنثى إلى أن تكون مُستقطبة: إما ملائكية أو وحشية. وقد قُدِّسَتْ هشاشة المرأة الفكتورية وطُهرُها في العبارة النمطية "ملاك البيت"، وهي صورة عُمِّمت على نطاق شعبي من خلال القصيدة السردية لكوفنتري باتمور التي نشرها في عام 1854 تحت العنوان ذاته. وعُدَّتْ الأنثوية المكرَّسة للحياة المنزلية عظيمة وكانت جنسانيتها عملية. ومن ناحية أخرى، كانت الأنوثة الوحشية وعاءً لملذات الذكر، وغالباً ما يُذكَر "تعدد شركائها الجنسيين" على أنه من أعراض فساد واعتلال أنثوي. وقد استُخدِم إضفاء طابع فرط النشاط الجنسي هذا على الأنثى الشرقية كاستراتيجية بلاغية لزيادة الطبيعة الملائكية لنظيرتها الغربية. ويرفض إدوارد سعيد، في كتابه المؤثر "الاستشراق" (1979)، الاعتراف بالمؤلفين المذكورين لإرساء الأُسس للثنائية الثقافية المؤذية: شرق/غرب. فوفقاً لسعيد، كانت أوروبا تعاني من "برجزة متزايدة"، مشيراً إلى مأسسة الجنس؛ أما الشرق، من ناحية أخرى، فأصبح على ما يبدو مكاناً يمكن للمرء فيه أن يبحث عن تجارب جنسية خليعة مرفوضة في أوروبا. في تعليقه ومقاله الافتتاحي، يصور البوهيمي الإنكليزي "علم الجنس الشرقي" بوصفه بديلاً للخليعين/المتعيين (مذهب المتعة) الطموحين. وفي غضون هذه العملية، يقدّم بعض الادّعاءات الجريئة بصورة لا تصدّق؛ بل جريئة جداً في الحقيقة، وكأنما ليضفي بعض الشك على صلاحيتها.فهو يقارن -أو بالأحرى يستقطب- مواقف الشرق والغرب تجاه الجنس والزواج، بما في ذلك تعدد الزوجات: "بعيداً عن كون [مكان] الحريم سجناً للزوجات، فهو مكان حرية، حيث يُعامَل الزوج على أنه متطفّل"، مستنتجاً أن ذلك يمكّن ويحرّر النساء وأنه ليس "مِطفَأة الحب" التي تُدرَك في الغرب بأنها ولا حتى ينبغي أن تُربَط بعقلية رجعية. تمرد ثقافي شخصي بيد أنه يصعب الجزم إن كان يؤمن حقاً بتأكيداته الخاصة به، التي، وفي بعض الأحيان، في رفعها للشرق على الغرب، تبدو مُحفَّزة أكثر بالرغبة في التمرد ضد مجموعة القوانين السائدة لثقافته الخاصة، وليس بتقديم صورة دقيقة لثقافة أجنبية. ولا يقتصر البوهيمي الإنكليزي على الشرق فقط في بحثه حول الجنسانية. بل يقدّم نظرة متعمّقة في العادات الجنسية للأراضي الأخرى التي يدّعي أنه سافر إليها وبحث فيها بصورة واسعة بوصفه ممارساً سابقاً للطب: من لوانغو إلى الأزتك، ومن بارغواي إلى ساموا، ومن أوروبا إلى شبه الجزيرة العربية ، فيصف التنوع في المعاني المرتبطة بفقدان المرأة لعذريتها. قد تبدو المنهجية المختلطة المطبقة للحصول على هذه البيانات عتيقة اليوم، ولكن استنتاجه معاصر بصورة لافتة للنظر.
لو أن الرجال في اختيار شريكة حياتهم شدّدوا على عذرية القلب وطُهر الروح، بدلاً من البحث بكثير من الفضول المرضي عن بقع الدم على الملاءات أو على الملابس الداخلية، فكم من خيبات أقل سيجدون في الزواج، وأكثر بكثير من ذلك: سعادة حقيقية! جُذِب البوهيمي الإنكليزي إلى الشرق من خلال النصوص المغرية التي كان مولعاً بها بشدة، والتي أدت به بشكل حتمي إلى ترجمة "كتاب الوشاح فى فوائد النكاح"، رغم أنه لا يعدو عن كونه مجرد مجموعة قصص إباحية، وبصرف النظر عن مقدمته، وحواشيه الغزيرة أو القيمة المستقلة للمجموعة بالنسبة للناقد، فإن كتاب الوشاح فى فوائد النكاح يبقى واحداً من أفضل الأمثلة الأدبية على العبثية وراء ما كان ذات يوم حقل دراسة مزدهر، ومع ذلك حقلاً إشكالياً إلى حد كبير. شريف دعيميشترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de