غياب المثقف العالمي...صاحب الرؤية المنصفة للشرق



ومن الواضح هنا أن البديل "الوسط" أو "السوق الاشتراكي" الذي يدعو إليه هاليداي لا يكاد يختلف بشيء عن بديل "الطريق الثالث" الذي دعا إليه أنتوني غيدنز في كتاب بنفس ذلك العنوان صدر قبل كتاب هاليداي وشاع في أوساط الديمقراطيين الاشتراكيين في أوروبا والولايات المتحدة، وتبنته حكومات توني بلير البريطانية العمالية، وغيرهارد شرودر الألمانية الاشتراكية الديمقراطية، وبيل كلنتون الأميركية الديمقراطية. لكن الأمر المحيّر هو أن هاليداي لا يستخدم تلك التسمية ولا يشير إلى غيدنز أو كتاباته التي نظر فيها إلى البديل الذي يطرحه، وبخاصة كتابه المهم «الطريق الثالث» والذي ينسب إليه بإجماع.
يرى هاليداي أن التحدي الأكبر المرتبط بمطلع القرن الواحد والعشرين يكمن في تحقيق المساواة بين الأغنياء والفقراء. ويناقشه في سياق معالجته للعولمة، التي يراها التحدي الثاني، والتي من ناحية أخرى تنطوي على عمليات تكرس اللامساوة في شكل صارم وتولد عدم الاستقرار.
والنظرة إلى العولمة هنا ليست قاصرة على رؤيتها كظاهرة مسطحة أو مجرد عملية أحادية، ترتبط مثلا بالشركات العابرة للحدود، بل تتسع لرؤيتها ظاهرة مركبة ومتعددة الأوجه والعمليات. ويعرفها هاليداي بأنها تتضمن ثلاثة أمور أساسية: تخفيض الحواجز بين الدول والمجتمعات، زيادة هيمنة بعض الدول والمجتمعات، وزيادة حجم المبادلات بين المجتمعات (سواء كان ذلك على شكل التجارة، أم رأس المال، أم العملة المتبادلة، أم حجم السياحة، أم عدد المهاجرين). على أن اللافت للانتباه في تعريف هاليداي هو قصوره في ذلك الكتاب عن التركيز على ثورة الاتصالات والإعلام بشكل مباشر، رغم ما قد يفهم من إشارات وتضمينات غير مباشرة إلى ذلك، ورغم معاودته الاهتمام به في كتاباته اللاحقة. فالإعلام الاتصالي المعولم، الفضائي والإنترنتي، هو في الواقع الساق الثانية للاقتصاد المعولم إذ يتوأمان معا ويشكلان هيكل العولمة الراهنة ومحركها النشط.
نقمة هاليداي على الإعلام الراهن
وبقليل من المجازفة يمكن القول أن نقمة هاليداي على الإعلام الراهن في عالم اليوم، والذي عبر عنه في مناسبات أخرى لكنه لم يظهر في هذا الكتاب، بسبب ما تقوم به الإمبراطوريات الإعلامية من تشويه، إما من طريق تصنيع وتضخيم أفكار وتوجهات فارغة أو في تجاهل وتسطيح أفكار وتوجهات ومشكلات ضاغطة ربما دفع به إلى التقليل نسبيا من أثر ومساهمة الإعلام والاتصالات في شكل وتشكيل العولمة.
يندرج في نقاشات المعضلات الكبرى الجدل حول استمرارية أو توقف الحروب. وهنا نجد أن هاليداي يبقي الباب مفتوحا، حيث لا نعلم فيما إن كانت المرحلة التي نعيشها الآن في ظل غياب حروب عالمية كبرى هي بداية مرحلة «سلم عالمي» دائمة، أو مجرد «فسحة» أو «استراحة» ما بين مرحلتين من الحروب. صحيح أن الديمقراطية تنتشر الآن ويتم ربطها، ولو بطريقة قسرية مبالغ فيها أحيانا، بنشر السلم في أرجاء المعمورة.
وصحيح أن بلدان العالم تنزع نحو الدمقرطة شيئا فشيئا، حيث أن عدد البلدان التي صارت توصف بأنها ديمقراطية يزداد سنة بعد سنة: فمقابل 56 بلدا ديمقراطيا عام 1990 فإن العالم عام 2000 يشهد 86 ديمقراطية. لكن احتمال الانقلاب إلى سيرة الحروب الكبرى لا يمكن نفيه بالمطلق، ولا الديمقراطية التي يستند إليها قادرة على توفير ضمانة تامة وأكيدة ضد الارتداد إلى أنماط استبدادية من ناحية، أو إشباع تطلعات الشعوب وتحقيق موازنات وتسويات بين مصالحها المتناقضة والحادة من ناحية ثانية. ويقلل هاليداي من المبالغة في موضعة ما يسمى «الإرهاب الدولي» كخطر مولد لحروب عالمية. فمن جهة يلفت الانتباه إلى أن هناك أنواعا أخرى من الإرهاب الخفي أو المستتر الذي لا يقل خطرا عما تقوم به "المنظمات الإرهابية"، كما أن إرهاب هذه المنظمات ليس بالعمق الدولي أو الحساس الذي قد يجر دولا كبرى إلى الانخراط في حروب كبرى مثل الإرهاب الذي قاد إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914 في ساراييفو. بل إن ما هو أهم من التركيز المبالغ فيه على الإرهاب هو انتشار أسلحة الدمار الشامل وعدم خضوع الولايات المتحدة على وجه الخصوص لمعاهدات الحد من ذلك الانتشار وعدم توقيعها على معاهدة حظر التجارب النووية.
ستفتقد أدبيات العلاقات الدولية إسهامات فريد هاليداي بخاصة بعد مرحلة النضج والتوازن الدقيق التي وصل إليها قاطعا رحلة طويلة من الماركسية الثورية إلى اشتراكية السوق والعولمة.
خالد الحروب
حقوق النشر: قنطرة 2010
مراجعة: هشام العدم
خالد الحروب ناقد وكاتب إعلامي معروف وأكاديمي ومحاضر فلسطيني في جامعة كامبردج
قنطرة
الغرب والعالم الإسلامي:
لا لا غنى عن حوار الثقافات!
منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب
قراءة نقدية لإرث الراحل المفكر محمد عابد الجابري:
حدود العقلانية واللاعقلانية في مسارات الجابري الفكرية
استطاع المفكر الكبير محمد عابد الجابري أن يقرأ الفكر العربي قراءة نقدية تحليلية، كشفت بوضوح أوهامه ونجحت في تعرية لاعقلانية خطاب النهضة، الذي ربط تقدم العرب بسقوط الغرب، إلا أنه أخطأ حين ساوى بين السلفي والليبرالي العربي وحصر فكره في إطار قومي، كما يرى رشيد بوطيب في هذه المقالة النقدية.
في رحيل صموئيل ب. هنتينغتون:
أطروحة صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي
لقد لاقى صموئيل ب. هنتينغتون الذي رحل مؤخرًا من خلال كتابه صراع الحضارات نجاحًا مدهشًا؛ وكذلك نشأت بسرعة من خلال عنوان كتابه العلمي السياسي صيغة لتفسير حقبة زمنية وسمت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. كريستيان غِيِر يلقي نظرة على إرث هنتينغتون الفكري.