الحاجة إلى المزيد من الشفافية

هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ . ولكن الأشهر المقبلة ستحسم السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة الإعمار ستتسم بالنجاح أم لا. تقرير مارتين غيرنير.

​​هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.

وعدت الدول المانحة بتقديم مساعدات لأفغانستان بلغ مجموعها منذ عام 2002 مقدار 13 مليار دولار تقريبا لمدة خمسة أعوام. وقد تم بناء على قول وزير المالية فرهانغ إنفاق أكثر من ثمانية مليارات منها حتى الآن. هذا وتعتبر ألمانيا من أكبر الدول المانحة حيث أنها تحتل مع اليابان المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.

لا يمكن إنكار الانتعاش الذي حل على البلاد بعد مرور أربعة أعوام على إقصاء نظام طالبان. فقد تم بناء وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة وإنشاء مئات المدارس. ويبلغ عدد تلاميذ المدارس بمن في ذلك البنات خمسة ملايين. ومع أنه مازال هناك نقص في توفير الكهرباء والماء إلا أن الأحوال الصحية تحسنت على نحو ملحوظ.

كوكاكولا في كل مكان

أما الاقتصاد فمازال متهاونا حيث يتم استيراد كافة الاحتياجات تقريبا سواء الرز والزيوت والإسمنت والكهرباء. المحلات التجارية تعج بأجبان "كيري" وبمنتجات "كيلوكس" للكورنفلاكس وبمشروب الكوكاكولا.

هل هذا مؤشر على أحادية طريق العولمة؟ يتساءل بهذا الشأن أصغر المرشحين للانتخابات البرلمانية قائلا "هذا الأمر لا يقوي أواصر إيماني بالديموقراطية. ما الذي يتعين علينا القيام به لكي تتاح لاقتصادياتنا فرص طيبة؟".

تغير على نحو ملحوظ طابع الحياة في العاصمة كابول من خلال الأعمال التي تقوم بها حوالي 3000 منظمة معنية بالمساعدات الإنمائية. عبارة "كابولستان" تعني مجازا مدينة يكتنفها التضخم السكاني حيث يقطنها ثلاثة إلى أربعة ملايين شخص كما أنها تتسم بالتناقض بين الفقراء والأغنياء، ففيها الوحدات الاستهلاكية الجديدة جنبا إلى جنب جموع الشحاذين الفقراء.

مقاييس الأسعار والقيم تزعزعت قواعدها عند المواطنين. فالحانات الليلية تزداد بكثرة يوما بعد يوم. وفي أغلب الأحيان يجد الأشخاص الذين يتقنون اللغة الإنكليزية ولو بشكل بسيط وظائف برواتب جيدة طالما اتسموا بروح المرونة.

وحتى البرنامج المنتشر عالميا في التلفزيون والمسمى "من سيصبح مليونيرا؟" أدخل مؤخرا في قناة التلفزيون الأفغانية. الفائز يحصل على مكنسة تنظيف كهربائية. أما بالنسبة لنقاد عملية التحديث السريعة فقد باتت عبارة "الديموقراطية" من قبيل المسبة أحيانا. فهم يترجمون هذه العبارة على النحو التالي "كل شيء أصبح محللا".

الرشوة والمغالاة في التبذير

بقول وزير الاقتصاد أمين فرهانغ: "المساعدات تأتي إلى أفغانستان، لكننا لسنا على علم بحجمها وبأهداف توزيعها". لهذا فإن الحكومة تزمع سن قانون جديد يفرض على المنظمات الإنسانية إخضاع أعمالها للرقابة والشفافية. وبالمثل انتقد البرلمان المنتخب مؤخرا بشدة كيفية التعاطي مع المساعدات المالية الممنوحة.

لا شك أن العديد من المنظمات الإنسانية الألمانية التي تمارس نشاطا طيبا جديرا بالتقدير تشعر على حق بأن هذا الانتقاد يشكل طعنا في سمعتها. لكن المشكلة تكمن هنا في انتشار سوء الأداء الإداري وهيمنة عقلية الجشع والرغبة في الانتفاع الشخصي.

قدمت ألمانيا والاتحاد الأوروبي طيلة أعوام طويلة دعما ماليا للمشاريع الصادرة عن المنظمة الإعلامية "عينة". لكن هذه المؤسسة المنوطة بتشجيع الصحفيين الأفغان على اعتماد العمل المستقل الحر قد ثبت مرارا بأنها تريد زيادة في هذه المساعدات على نحو مستديم.

يقول جيرمين بروكس رئيس لجنة الشفافية الدولية في برلين: "مراجعة الحسابات على نحو صادق يعزز أسس الثقة المتبادلة". وهناك مستشارون دوليون يعملون في الوزارات وينال بعض منهم رواتب سنوية تبلغ قرابة نصف مليون دولار. أما متوسط رواتب المواطنين العاملين في القطاع الحكومي فإنه يبلغ 40 دولارا في الشهر.

ضرورة إصلاح نهج المساعدات الإنمائية

هذا يدفع جان ماتسوريل الذي يعمل مديرا لفرع البنك الدولي في كابول إلى القول: "يتحتم علينا بصورة أكيدة العمل على إصلاح نهج المساعدات الإنمائية. فحتى الآن لم يصبح بمقدورنا أن نقوم بالإنجازات التي ينتظر الناس هنا منا القيام بها".

كما أن رئيس ديوان الرئاسة جواد لودين يقول وقد خالجته أحاسيس الخيبة: "كانت المرحلة الذهبية للأعوام الأربعة الأولى في نفس الوقت سنوات سادها تبذير فاحش".

ليس من المحتمل إحراز النجاح في مكافحة مواضع النقص والفساد بصورة شاملة على الأجل القصير، لا سيما أن الحكومة والوزارات نفسها تشكل بؤرا للفساد والرشوة تتمركز جذورها في مجال الاتجار بالمخدرات.

تجارة المخدرات في حالة انتعاش متواصل

مدبرو تجارة المخدرات والمنتفعون منها يحتلون مراكز داخل الحكومة مباشرة أو يترأسون حكومات الأقاليم. لهذا فإن شعار "الحرب المقدسة" الذي أطلقه الرئيس كرزاي ضد زراعة النباتات المستخدمة في إنتاج المخدرات لا يملك إلا درجة محدودة من المصداقية، خاصة وأن كرزاي ما فتئ يخشى حتى الآن أعاصير المواجهة الأمر الذي يتشابه مع مواقف المجموعة الدولية على وجه عام.

يقول لودين المقرّب من الرئيس كرزاي عنه "إن خياراته محدودة" نظرا لكون "أمراء المخدرات" قد أوجدوا إلى حيز الوجود من قبل الولايات المتحدة. وهو يضيف معربا عن الدوامة القائمة في هذا السياق: "إن الأشخاص المتهمين من المجموعة الدولية بالتورط في تجارة المخدرات هم أنفسهم أكثر شركائنا تمتعا بثقتنا فيما يختص بملف الكفاح ضد الإرهاب".

مفتاح الحل هنا يكمن في خلق "أسس حياتية بديلة". يقول كريستوف بيرغ الذي يعمل لدى الجمعية الألمانية للتعاون التقني:

"إن الأمر يتطلب توفير مصادر وطرق أخرى للمزارعين لكي لا يعمدوا إلى زراعة الخشخاش المدر ربحا فائقا". يضيف بيرغ بأن البدائل تنصب على زراعة الزعفران أو القطن، كما أن هناك خيارا آخر هو وعد المزارعين بإعطائهم معدات أفضل للري في حالة تخليهم عن زراعة الخشخاش.

هذا وقد كفّ في العام الماضي 50000 مزارع عن زراعة الخشخاش. لكن جزءا من عائدات الاتجار بالمخدرات ما زال يصل حتى الآن إلى صناديق المجموعات المتطرفة.

عدوى الأوضاع العراقية تنتقل إلى الصراع الأفغاني؟

ما زال مقاتلو طالبان يشكلون مشكلة أمنية حادة في أفغانستان. يقول أحمد راشد الخبير في الشؤون الأفغانية: "ربما يطرأ حتى تصعيد ولو مؤقت على الوضع الراهن. لكن على عكس الحال في العراق فإن الوجود الغربي في أفغانستان يلقى دعما من أغلبية السكان فيها".

يمارس خصوم الحكومة والوجود العسكري الدولي بلا شك سياسة مبنية على المضايقات الصغيرة وإن كانت مركزة ، تلك السياسة التي انبثق عنها عنصر جديد هو زيادة عدد العمليات الانتحارية . لكنه لا يمكن من الآن التكهن عما إذا كان ذلك سيفرز تطورا يشابه على نحو تدريجي بطيء الأوضاع الراهنة في العراق، فذلك سيتضح في المستقبل.

مارتين غيرنير
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

مكافحة الفساد ومراقبة أعمال مجلس الوزراء
الدكتور بشردوست، وزير سابق وعضو مستقل في البرلمان الأفغاني، يتحدث عن تصوراته للفترة البرلمانية القادمة وعن ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية جديدة، كما ينتقد المنظمات غير الحكومية الناشطة في أفغانستان.

الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت