انفتاح حكومي عُماني على الشعب والإصلاح والحداثة



وعلى صعيد السياسة الخارجية تحاول الحكومة العمانية بمهارة دبلوماسية أن تحافظ على صداقة جيِّدة مع جميع الدول المتعادية في المنطقة. من الناحية الجيوسياسية تقع عمان في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية وخارج مناطق الصراعات؛ وكثيرًا ما يظهر أيضًا السلطان قابوس كوسيط، مثلًا في القضية الفلسطينة وفي حرب اليمن وفي الأزمة القطرية، ولكنه يبقى في الخلفية. وحتى الآن تمكَّن السلطان قابوس من إبقاء سلطنته خارج صراعات السلطة على المستوى الجيواستراتيجي في المنطقة. فعمان لا تشارك في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في الحرب العبثية وغير الإنسانية، التي يتم خوضها فوق التراب اليمني وعلى حساب المواطنين اليمنيين ضدَّ إيران. ولكن من خلال استراتيجية الابتعاد يجعل العمانيون أنفسهم عرضة لاتِّهامهم بتفضيل طرف دون الآخر. فمثالًا كان هناك اشتباه بتوريد شحنات أسلحة إيرانية إلى اليمن عن طريق الأراضي العمانية، من المفترض أنَّه تم من دون علم السلطات العمانية وموافقتها. وكذلك يسود بعض الخوف في البلاد من إمكانية امتداد الحرب إلى عمان، وأنَّ الجماعات الإرهابية، التي تصول وتجول في ظل فراغ السلطة داخل اليمن، من الممكن أن تقوم بتوسيع نشاطها خلف الحدود المشتركة بين البلدين والممتدَّة لنحو ثلاثمائة كيلومتر.سلطان يشجِّع الإصلاحات أدَّى الربيع العربي عام 2011 إلى خروج مظاهرات في سلطنة عمان أيضًا، ولكن بالمقارنة مع الاضطرابات في أماكن أخرى فقد سارت الأحداث في عمان بصورة هادئة. لقد خرج العمانيون للمطالبة بالمزيد من الرفاهية والرخاء وزيادة الأجور والاحتجاج ضدَّ الفساد لدى بعض كبَّار المسؤولين وضدَّ بعض الوزراء. وكذلك طالب المتظاهرون بمزيد من الحرِّية السياسية. وبسرعة ردّ السلطان على تلك الاحتجاجات بإصلاحات في جهاز الدولة وبتعديل وزاري وبزيادة الحدّ الأدنى للأجور وبخلق وظائف حكومية. وكذلك تم تحسين دور البرلمان، الذي لم يعد دوره استشاريًا فقط، بل أصبحت لديه أيضًا سلطة تشريعية؛ وبات يجب الآن عرض مشاريع القوانين على المجلسين من أجل الموافقة عليها قبل أن يوقِّع عليها السلطان. [embed:render:embedded:node:21916] يسود في سلطنة عمان مزاجٌ لطيف ومريح وهادئ ومستقر وأحيانًا مرح. ما من شكّ في أنَّ ذلك يعود جزئيًا إلى الدين - إلى المدرسة الأباضية، وهي أحد المذاهب الإسلامية ويتَّبعها نحو ثلثي السكَّان. وبحسب المذهب الأباضي يجب دائمًا إعادة تفسير النصوص الدينية ومسائل الإيمان من جديد وفقًا لمتطلبات العصر، وهذا إذًا اتِّجاه منفتح على الحداثة، ولكنه من ناحية أخرى يميل إلى الاحتفاظ بالجوانب التي أثبتت نجاحها. بالإضافة إلى ذلك لا يجوز للمرء في المذهب الأباضي فرض قناعاته الدينية الخاصة على الآخرين. وهذا يؤدِّي إلى إيجاد موقف ليبرالي تجاه المختلفين في الرأي. والسلطان قابوس لا يحظى فقط باحترام رعاياه، بل وبحبّهم أيضًا، إذ إنَّهم يطلقون على حاكمهم الأوتوقراطي بكلِّ احترام اسم "جلالتنا". غير أنَّ السلطان قابوس عمره الآن سبعة وسبعون عامًا، وقد قضى عدة أشهر في ألمانيا لعلاج سرطان القولون، ولديه عقارات في منطقة غارميش-بارتنكيرشن [منتجع للاستجمام في جنوب ألمانيا]. يعتمد نموذج ناجح عمان في شكله الحالي إلى حدّ كبير على شخصية السلطان قابوس الجذَّابة، ولذلك فإنَّ أهالي عمان ينتظرون الآن مستقبلًا مجهولًا. إنغريد تورنَرترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de إنغريد تورنَر مختصة في علم الأعراق والشعوب وكاتبة صحفية، تُدرِّس وتبحث وتكتب حول موضوعات الانتقال وإدراك الآخر وأنثروبولوجيا الإسلام، وهي محاضرة في معهد الثقافية والأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة فيينا.