استكشاف المدينة عبر الفن

افتتحت أخيرا دورة بينالي اسطنبول التاسعة. وعلى نحوٍ غير مسبوق، تمحور عمل الفنانين من كافة أنحاء العالم، حول الظواهر المدينية في هذه المدينة العملاقة. تقرير ديرك فوريك

اتشحت البينالي بالزهري الفاقع. مثل خيط أحمر باهت يمتد اللون عبر المدينة القديمة في اسطنبول، لتترك البينالي أثرها اللوني في كل مكان: على المباني الخاصة، وعلى مهاجع السفن في المرفأ القديم، ومخزن للتبغ، وعلى فندق "غراند هوتيل دو لوندرة" الذي اشتهر بعد فيلم المخرج التركي-الألماني فاتح أكين.

ويمتد معرض الفنون في دورته التاسعة، للمرة الأولى، إلى خارج فضاءات المتاحف التقليدية أو أماكن العرض التاريخية:

"اخترنا ذلك عن وعي، إذ أننا نطمح لإنشاء علاقة بين المواطنين ومدينتهم. نطرح الأسئلة على السكان، حول مستقبل المدينة وكيفية استمرارها. نريد أن نستكشف المدينة".

إلى حد ما، نجح المشروع - استكشاف المدينة عبر الفن، كما يقول واصف كورتون أحد القيميّن العاميّن للبينالي: إذ لم يسبق أن كان هناك إهتمام على هذا النحو بالتغيُّر المتسارع لإسطنبول، ولا ببنيتها المدينية. فتحول الحي الأوروبي "بِيوغلو" إلى عمل فني بذاته، هذا الحي الذي يشكل اليوم فضاءً محورياً لصالات العرض وللأوساط الفنية الطامحة، والذي يتسم بطرازين معماريين أوروبيين من نهاية القرن التاسع عشر.

تخطي الأشكال النمطية

تتماهى مباني البرجوازية شبه المتصدعة مع الصور الضوئية، ومع المجسمات والأعمال الفنية التركيبية، وخصوصاً مع أعمال الفيديو، حيث أنتجت جل الأعمال المعروضة خصيصاً لدورة البينالي هذه. فنانون شباب من كافة أرجاء المعمورة –أوروبيون، أمريكيون وأتراك يعيشون في المهاجر أقاموا في اسطنبول لعدة أشهر واستكشفوا المدينة.

يقول الهولندي تشارلز إشة، القيَّم العام المساعد: "أتمنى أن نتخطى الأشكال النمطية، أي أن نجول بنظرنا إلى ما هو أعمق من القشرة، وإلى ما يتعدى السياحة، وأن نستظهر ما هو مرئي – أيضاً لأولئك الناس الذين يعيشون في المدينة. أرجو أن يكون "الفنانون الزائرون قد نجحوا في ذلك".

التعليق الفني الأكثر تعقيداً في بينالي مدينة إسطنبول خطَّه بالتأكيد الرسام الروماني برجوفتشي، حيث تمتد خطوطه السوداء عبر طابق كامل في مبنى دنيز، لتقطع المدينة إلى شذرات ولتضعها، في آن معاً، في علاقة مع بنى مجتمع العالم المعولم.

وقدم متحف "إسطنبول الحداثة" معرضه الدولي الأول بالتزامن مع البينالي. والجدير بالذكر أنَّ المتحف كان قد لاقى إهتماماً عالمياً لدى إاتتاحه قبل بضعة أشهر. حمل المعرض إسم "مركز الجاذبية" “Center of Gravity”، وأشرفت عليه روزا مارتينيز، القيَّم العام، التي شاركت في إدارة بينالي البندقية للعام الجاري، والتي تراهن، منذ زمن طويل، على اسطنبول كمدينة عملاقة جديدة للفنون.

"في السنوات العشرين الماضية، ساعدت البينالي بقوة، على ربط الأوساط الفنية المحلية بقريناتها العالمية. إذ تُبيِّن البينالي التوجهات الفنية الأكثر تجديداً، وتحدد ملامح الأعمال لتتخذ وجهة أكثر اجتماعية أو أكثر سياسية. بشكل مشترك سنحقق في اسطنبول، على ما أتمنى، مركز جذب حقيقي للفن الحديث".

بعيدا عن السياسة

وبحسب تعبير روزا مارتينيز، فالبينالي لا تتطرق للمواضيع السياسية إلا بشكل هامشي، فعلى الرغم من تمحور بعض الأعمال على موضوعات من نوع سلطتي الدولة والجيش أو التعذيب، إلا أنَّ مواقف فنية حيال الرقابة وحرية الرأي تبقى شبه معدومة.

أما قضية الكاتب التركي أورهان باموك، التي تُعتبر مسألة مفصلية في أوروبا بما يخص إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فهي بالنسبة لقيَّم البينالي العام واصف كورتون ظاهرة أحادية، إذ يقول:

"لا أهتم بقضية أورهان باموك. لقد تحدثت معه قبل بضعة أيام وقال لي بنفسه: „Tant pis“ أي انَّ الأمر عنده سيان. ليس للقضية أية أهمية، وإذا ما جرت المحاكمة، فسيكون هناك حضور هائل، سيأتي الناس من أوروبا، ستحضر كل الصحافة، وسيعود ذلك بالفائدة على أورهان باموك وعلينا جميعاً. وبالطبع ستحكم المحكمة ببراءته، وسيفهم المدّعون العامّون أنه ليس بوسعهم القيام بعمل مماثل ثانيةً."

بقلم ديرك فوريك
ترجمة يوسف حجازي
حقوق طبع النسخة العربية 2005

قنطرة

الفن التركي المعاصر
الفن التركي المعاصر نادر الشهرة في أوربا، ولم يتبلور تصور شامل عن الإبداع الفني التركي المعاصر حتى اليوم. كتاب صادر حديثا في ألمانيا يرصد أبرز الاتجاهات في الفن التركي المعاصر. تقرير نجمي سونمز

فيلم "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" لفاتح أكين
في فيلمه الجديد "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" يقوم المخرج الألماني-التركي فاتح أكين برحلة بحث عن معالم موسيقية في اسطنبول. فينشأ عن هذه الرحلة تكريماً مفعماً بالرقة للموسيقيين وللموسيقى النابضة والمتنوعة والمثيرة في هذه المدينة

www

موقع بينالي اسطنبول