"ديانتي اليهودية ليست ديانة قطيعة، بل هي ديانة الإنصات للآخر"




ازولاي: أولا اشكر بلدي و وملكي و طائفتي على هذا الامتياز وهذه المسؤولية.هذه إشارة حداثة وإنسانية وسمو يبعث بها المغرب إلى الآخرين،لأنني، كما قلتِ عن حق، أنا الوحيد فعلا. أنتمي إلى نادٍ متميز وانتقائي جدا،لأني في النهاية أنا العضو الوحيد المنتمي لهذا النادي. وهذا هو المغرب الكبير والمغرب الحقيقي. و لا أنسى أنه على مقربة منا قبل نحو ستين سنة لا أكثر كانت هناك بربرية نازية أوروبية مسيحية. وكانت الرسالة الوحيدة المسموعة التي انتصرت للكرامة الإنسانية والتضامن في هذه المنطقة من العالم قد انطلقت من المغرب. أنا لست فاقدا للذاكرة، هذا تاريخي، وقبل أكثر من خمسة قرون كذلك تعرض اليهود والمسلمون معا لمحاكم التفتيش في اسبانيا وحتى فوق أراضينا. فأسسنا معا فضاءات للضوء وللحياة، لنخلق نهضة حقيقية علمية وفلسفية وأدبية وطبية... اتحد أسلافنا اليهود والمسلمون سويا لمقاومة محاكم التفتيش.هذا لا يعني أن جميع المسيحيين آنذاك كانوا إلى جانب تلك المحاكم أو إلى جانب النازية، لكني أعني ببساطة أن اليهودية و الإسلام استطاعا معا أن يخلقا تقاربا وتكاملا جعلهما معا يحققان أشياء استثنائية في تاريخنا.وأنا لا أريد أن أفقد شيئا من هذا التاريخ أو أقتطع أي صفحة منه.كما لا أريد أن تظل أي صفحة بيضاء فارغة. ينبغي أن ندون كل ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى.
السيد اندريه ازولاي، تترأس مؤسسة "آنا ليند الأورومتوسطية " للحوار والتقريب بين الثقافات، ما هي الخطوات التي تتبعونها لإنجاح دور المؤسسة في التقريب بين الثقافات المختلفة؟
ازولاي: أولا ينبغي الإشارة إلى أني انتخبت رئيسا لمؤسسة "آنا ليند" كمشرح لجامعة الدول العربية، وكانت المرة الأولى في تاريخ الجامعة أن انتخب عربي يهودي لشغل منصب على رأس مؤسسة عالمية.وهذه كذلك إحدى الإشارات المغربية التي تحدثت عنها قبل قليل،أي دولة عربية يمكن أن تفعل الشيء نفسه؟ مؤسسة" آنا ليند" أسست حتى يتم تشارك مشاريع و برامج و مكتسبات الشراكة الأورومتوسطية مع مؤسسات المجتمع المدني التابعة لدول بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان الشريكة الأخرى، وحتى لا تبقى هذه الشراكة خاضعة فقط لبنية دبلوماسية أو اقتصادية و حتى يكون لها شرعية في بلداننا. زيادة على مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" المقدم من طرف فرنسا ومصر والذي لقي قبولا عند باقي الدول الأخرى واشتركوا جميعا في هذا المنظور الاتحادي، فكانت خطوة تاريخية واقعية.
مؤسسة "آنا ليند" أهدافها تتجلى في جعل 750 مليون شخص المنتمين لحوض البحر الأبيض المتوسط واعين بالتحديات المشتركة وبالصعوبات. ولكي لا يبقى هذا الاتحاد حبيس مكاتب الوزراء، كان الرهان على جمعيات المجتمع المدني.هذه مهمتنا في المؤسسة، و حوار الثقافات الذي نشتغل عليه يساهم في تحقيق هذا الهدف، فالثقافة ليست هي تشارك البعد الفني فقط ، فدورها لا يمكن تعويضه في إطار تغيير العقليات والتصورات.لا أجد شيئا أقوى من الثقافة لتحقيق هذه النهضة.
تحدثت السيد المستشار، عن مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" هل تعتقد أنه بعد سنتين من إطلاق هذا المشروع تحققت بعض من أهدافه المنشودة؟
ازولاي: هذا مشروع لا ينبغي أن نحكم عليه بعد سنتين أو حتى عشر سنوات.هذا مشروع للتاريخ. ما يهمني أن لا تتغير المكتسبات ،خطونا خطوة كبرى وسمينا الأشياء بأسمائها،فمن قبل لم يكن أحد يجرؤ على أن يقول كلمة " اتحاد" لكننا قلناها. كنت أعرف أن أهداف المشروع ستأخذ وقتا طويلا.هذا مشروع للتاريخ وللغد وينبغي فهمه والاشتغال عليه بمنظور المدة الزمنية الطويلة، إذا استغرق هذا المشروع عشرين سنة فهذا أمر لا يزعجني ، ما يهمني أكثر هو أن يستمر المشروع و أن لا نقول " إن المشروع لا يتقدم إذاً ينبغي أن نغير قواعد اللعبة و لنشتغل على مشاريع أسرع" .هذا ليس هو الاتحاد. الاتحاد هو رؤية الاجتماع حول مبادئ نتقاسمها وينبغي أن نعطيها وقتا أكثر لتنجح. أنا صبور و واثق من نجاح المشروع مع الوقت ولا ينبغي لنا أن نغير خارطة الطريق.
السيد اندريه ازولاي، تترأس جمعية " موكادور" الثقافية التي تشرف على مهرجانات موسيقية وثقافية في مدينة الصويرة. هل تراهن على الثقافة والإبداع في التقريب بين الديانات الثلاث وبين الحضارات المختلفة؟
ازولاي: لدي حب وغيرة صادقان على مدينة الصويرة التي أعطتني الكثير، وأعتبرها مكانا متميزا في تاريخها والقيم المحددة لهويتها منذ نشأتها.إنها مدينة مليئة برمزيات الحداثة وقبول الآخر.في الصويرة، هناك أحجار قديمة كل حجر صغير منها يمكن أن يحكي لكم قصة كبيرة.عاشت المدينة فترة من التهميش والإهمال، تقريبا كانت ممحوة، وقبل أعوام اجتمعنا لنعيد لهذه المدينة بريقها. المدينة غنية بتراثها وبكل تعبيراتها الموسيقية والأدبية والتشكيلية ،أستحضر على سبيل المثال الكاتب ادمون عمران المليح وآخرين كثر. كما أن الرسم التشكيلي حاضر بقوة في أروقة كثيرة للفن الحديث الرائع الجريء. فصارت للمدينة قيمة كبرى ومرجعية في معنى التشارك مع الآخر.ليس من قبيل الصدفة أن أول مهرجان أنشأناه كان مهرجان "كناوة "(موسيقى تقليدية مغربية روحانية ذات جذور افريقية). حينها اعتبر الكثيرون أننا مجانين .قد لا تتصورين كيف كان ينظر العديد من الناس نظرة احتقار لفن "كناوة" قبل وجود هذا المهرجان، واعتبروها مجرد موسيقى للعبيد !نحن أعدنا الاعتبار لهذا الفن ،لهذا الجزء من ثقافتنا بل لهذا الجزء من كياننا، فكل واحد منا فيه شيء من "كناوة"، أنا كذلك كناوي .
لقد أعطى هذا المهرجان منذ أول دورة جوابا لكل المشككين فيه. السنة الماضية وصلنا إلى الدورة 13 من المهرجان وحوالي 500 ألف من الحضور.صار المهرجان قويا إلى درجة أن الناس اعتقدوا أن مدينة "الصويرة" ليس فيها سوى " كناوة" .لذلك خلقنا مهرجانات أخرى كمهرجان الغناء والأوبرا وصار هذا المهرجان كذلك موعدا مطلوبا ومعروفا لدى كل المولعين بهذا النوع من الموسيقى ،إضافة إلى مهرجان الموسيقى الأندلسية الاطلنتيكية حيث تغنى فيه الأغاني التي اشترك في إنتاجها المسلمون واليهود معا وهو ما يسمى" المطروز".هذا أيضا جزء من ثقافتي وثرائها وتنوعها فانا أحب الموسيقار الكلاسيكي مالر والمعلم "الكناوي" محمود غينيا وأم كلثوم...لذلك خلقنا من هذه المدينة سفينة أميرالية تحتوي على كل رموز الحداثة وتلاقي كل الحساسيات الموسيقية والتعبيرات الثقافية.اليوم هناك سبع مهرجانات موسيقية في "الصويرة" وأنا فخور بذلك وسعيد جدا.
السيد المستشار، كيف تقيم دور الإعلام الذي يساهم في نشر ثقافة التسامح وخلق حوار بين الثقافات. يمكن أن أستحضر هنا على سبيل المثال موقع "قنطرة" ؟
ازولاي: أود أن أشكركم على عملكم وأشجعكم أيضا، فهذه المرة الثانية التي أشارك فيها معكم بحوار. وأشكر مؤسسة دويتشه فيله التي يصل صوتها إلى العالم كله نظرا لاعتمادها على الانتشار بلغات كثيرة ومتعددة سواء منها الألمانية أو العربية أو الفرنسية أو الانجليزية أو الروسية ولغات أخرى...وهذا أمر مهم جدا. و أنا أحلم أن يكون في بلدي المغرب يوما ما مؤسسة بهذا الخيار وبهذا البعد. أتمنى كذلك أن يجد انشغالي بالحوار بين الثقافات والتقريب بين الديانات والبحث عن سلام كريم في الشرق الأوسط صداه، فيكتمل ويصير مفهوما لدينا ومستوعبا كما تم استيعابه من طرف المنتظم الدولي.
أجرت الحوار: ريم نجمي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
يشكل مستشار العاهل المغربي اندريه ازولاي حالة استثنائية في العالم العربي والإسلامي، فهو المغربي اليهودي الوحيد، الذي ينتمي إلى المربع الذهبي للحكم في المغرب منذ عشرين سنة. هذا الاستثناء لم يكن من قبيل الصدفة، فإلى جانب دوره الأساسي كرجل اقتصاد، انخرط اندريه ازولاي باكرا في معركة حوار الحضارات والأديان، فأسس في مطلع السبعينيات الماضية جمعية "هوية وحوار" في باريس التي كانت أول جمعية تضم النخبة اليهودية المنادية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل. كما يشغل ازولاي عدة مهام دولية وأممية في مجال الحوار والتقارب بين الحضارات ويرأس منذ 2008 مؤسسة آنا ليند الأورومتوسطية.
قنطرة
حوار مع أندريه أزولاي:
"حوار الثقافات محرك التعاون بين ضفتي المتوسط"
يري أندريه أزولاي، رئيس مؤسسة "أنا ليند " الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات، أن قمة باريس التأسيسية لـ"الإتحاد من أجل المتوسط" وضعت في صدارة أجندة الاتحاد الاهتمام بالحوار بين الثقافات باعتباره محركا أساسيا لعلاقات شعوب ضفتي المتوسط. منصف السليمي حاور مستشار ملك المغرب حول الآمال المعقودة على الشراكة الأوروبية المتوسطية
وماهية الشراكة الحقيقة بين أوروبا والعالم العربي.
مؤسسة أنا ليند للحوار بين الثقافات:
مبادرة أورو-متوسطية جديدة على شاطئ الإسكندرية
التقارب بين الدول الواقعة على ضفتي البحر المتوسط هو هدف مؤسسة أنا ليند على أنغام الموسيقى الشعبية التقليدية لدول المتوسط والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية افتتحت مؤسسة أنا ليند الأورو-متوسطية للحوار بين الثقافات في 20 ابريل/نيسان الجاري حيث تتخذ من مكتبة الإسكندرية والمعهد السويدي بالإسكندرية مقرا لها. تقرير نيللي يوسف.
الغرب والعالم الإسلامي:
لا غنى عن حوار الثقافات!!
ل تشير أزمة الكاريكاتور إلى فشل مبادارات الحوار؟ منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب العسكرية فشلها