غربة المهجر واغتراب الوطن!
منذ فترة كتبتَ المقدمة للكتاب الذي أصدره عبد الله طايع بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي". في هذه الرسائل ينتقد الكتّاب المغاربة الشبان المجتمع الذي يعيشون فيه. طايع نفسه اعترف قبل فترة علانيةً بمثليته الجنسية، ما أثار جدلاً كبيراً في المغرب. يبدو إذاً أن أشياء كثيرة جداً تتحرك.
ابن جلون: لقد استقل المغرب منذ ما يزيد عن خمسين عاماً. منذ ذلك الحين أصبح البلد حديثاً وديمقراطياً. ولكن الحداثة ما زالت تسبب صعوبات، لأن المجتمع لم يقبل بعد بالفردية كفكرة. هناك حقوق للنساء، نعم، غير أنها لا تبعث على الرضى الكامل. ما زال هناك ما ينبغي عمله. رغم ذلك فإن المغرب يعيش اليوم حالة تغير تام. في الوقت نفسه هناك حركات إسلامية محافظة، بل رجعية. أتباع هذه الحركات ليسوا بالضرورة متعصبين. إنهم يريدون ثقافة ترتكز على العربية فحسب، إنهم يطالبون باحترام التعاليم والنواهي الإسلامية، إلى آخره. غير أن تصوراتهم تتعارض مع الواقع في البلاد. لقد أصبح المغرب إلى حد ما بلداً علمانياً. المرء لا يجهر بذلك، ولكن هذا هو الحال. الناس يحبون الاحتفالات للغاية، يقبلون على شرب الخمر إقبالاً كبيراً، كما أن سلوكهم الجنسي قد تحرر على نحو هائل. ولكن الناس لا يتحدثون عن كل ذلك علانية.
هل هناك إذاً بقايا من ثقافة الخجل؟
ابن جلون: نعم، وخصوصاً فيما يتعلق بالجنسية المثلية. الأمر هنا يختلف تماماً عنه فرنسا. في فرنسا يعترف المثليون بمثليتهم علانية في التلفزيون. أما في المغرب فما زال الناس يتمسكون بنوع من الخجل يمنعهم من الحديث عن الجنس في التلفزيون، سواء كان الأمر يتعلق بالجنسية الغيرية أو المثلية. غير أن المثليين الجنسيين يتحدثون اليوم عن مثليتهم في المغرب، مثلما فعل عبد الله طايع. هذا شيء يحدث، وهو يبين أن المغرب يتغير – على عكس الوضع في كثير من البلدان العربية التي تعيش حالة جمود أو حتى حالة تخلف.
غير أن بعض التطورات في العالم الإسلامي تثير قلقك، ليس فقط في المغرب.
ابن جلون: نعم، ولكنها لا تثير قلقي أنا وحدي. إن القلق العارم يستولي اليوم على العالم الإسلامي بسبب المتعصبين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية. المرء يقابل الإرهاب في كثير من البلدان: في الجزائر، في مصر، في اليمن، في العراق، في باكستان، في أفغانستان. إنه يستند على الإسلام، غير أنه في الحقيقة يستمد قوته من مصادر أخرى: من الغزو الأمريكي في العراق، الغزو الروسي في أفغانستان. أشياء كثيرة تتقابل معاً. غير أن هذه الاعتبارات لا يأخذها الغرب مأخذ الجد على نحو كاف، وهكذا ما زلنا نعيش تحت سيطرة الأحكام المسبقة. وطالما بقيت مشكلة فلسطين دون حل نهائي، سيتحتم علينا أن نعيش مع سوء الفهم هذا.
وهكذا يتم تكريس سوء التفاهم بين الغرب والعالم الإسلامي وهو ما يتجسد في غياب الديمقراطية وانتشار آفة الإرهاب – كل ذلك يؤدي إلى حدوث اضطراب لن يكون في مصلحة العالم العربي والإسلامي على الإطلاق.
كارستن كنيب
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2010
صدرت الترجمة الألمانية لرواية الطاهر بن جلون بعنوان "العودة" عن دار برلين في 142 صفحة، ترجمها عن الفرنسية كريستيان كايزر.
قنطرة
الطاهر بن جلون في عمله الجديد "الرحيل"
الإتجاه جنوبا!
الطاهر بن جلون: "إنني أشعر بحب مشوب بالحذر تجاه المغرب." الطاهر بن جلون الكاتب الذي يعد فرنسيا أكثر من أي كاتب مغربي آخر يعود بنا في هذا اللقاء إلى روايته الأخيرة ويحدثنا عن ظاهرة الهجرة على أبواب الاتحاد الأوروبي، عن "أبناء أوروبا المدللين"وعن بلاده الأصلية. برونه أنطوان لتقته في باريس وقدمت هذه الصورة القلمية عنه.
رواية "يمّة - أمّي، ابني" للكاتب الطاهر بن جلون:
"ليست مجنونة، لكنها على سفر"
يتابع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون حياة أمّه التي تعاني من اضطرابات في الذاكرة، متقصيًا سيرتها الذاتية منذ زواجها الأول الذي استمر فترة قصيرة حتى شيخوختها، حيث أصبحت لا تستطيع مفارقة السرير ولم تعد تتعرّف على نفسها. أنغيلا شادر قرأت هذه الرواية التي ترجمت إلى الألمانية.
"رسائل إلى شاب مغربي":
18 كاتباً ....18 رسالة... 18 حكاية
في ضوء الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء المغرب عمد الكاتب المغربي عبد الله طايع الذي يعيش في باريس إلى حث ثمانية عشر كاتباً مغربياً إلى أن يكتب كلٌ منهم رسالة مفتوحة إلى مواطنيه. هذه الرسائل نشرت الآن في كتاب بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي". كيرستن كنيب يعرفنا بهذه المجموعة من الرسائل.