إيران والثورات العربية......محاولات الاختطاف والالتفاف
السيد گرانمايه، يبدو أنَّ هناك فارقا شاسعا في نظرة إيران إلى الثورات العربية؛ حيث يقارنها الشعب الإيراني بانتفاضته التي انطلقت عام 2009، بينما يقارنها النظام بالثورة الإسلامية عام 1979.
علي گرانمايه: يرفض النظام عقد أي مقارنة بين أحداث عامي 2009 و2011 ويؤكِّد في المقابل على أنَّ الثورة الإسلامية الإيرانية هي أصل جميع الثورات في العالم الإسلامي. ومنطق النظام واضح ويقول بما أنَّ الثورة الإسلامية عام 1979 قد أدَّت إلى إنشاء دولة إسلامية فمن المفترض أن تفضي كلّ حركة في المنطقة إلى النتيجة نفسها. والنظام الإيراني لا يقارن بين كلا الحدثين التاريخيين إلاَّ فيما يخص سوريا، إذ يدَّعي أنَّ هناك "عناصر أجنبية" تقف وراء الانتفاضة في سوريا مثلما كانت الحال في إيران في عام 2009. وأمَّا الشعب الإيراني فهو يفكِّر بشكل مختلف تمام الاختلاف. وبما أنَّ الشعب كان أوَّل من خرج في العام 2009 إلى الشارع، فهو الذي بدأ كلَّ الانتفاضات. لكن جيل الشباب يسأل الجيل السابق فيما يخص ثورة عام 1979: لماذا اقترفتم هذا الخطأ وأوصلتمونا إلى مثل هذا الوضع؟ فقبل عام 1979 كانت توجد حرية في إيران، ولكن الآن فقدنا الكثير مما لم نكن قد حسبنا حسابه - مثل حقوق المرأة.
ما الذي ترجوه الحكومة الإيرانية من الانتفاضات العربية المختلفة؟

تزعم بعض التقارير أنَّ إيران لا تقدِّم لسوريا دعمًا ماليًا فقط، بل تدعمها أيضًا بمحاربين إيرانيين، ولكن ذلك غير مثبت. فهل لديك تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع؟
گرانمايه: إذا كان هناك حقًا أفراد من الحرس الثوري الإيراني متورِّطين جسديًا في قمع الثورة فإنَّ هذا يشكِّل خطأً كبيرًا تقترفه الحكومة الإيرانية التي ترفض أي تدخل خارجي في الشؤون السورية الداخلية، وذلك لأنَّ مثل هذا التدخل الإيراني يمكن أن يقدِّم للبلدان التي تعارض بشار الأسد الذريعة لإرسال قوَّاتها إلى سوريا. ولكن ليس لي علم بما يخص حزب الله. ومن الممكن اكتشاف الإيرانيين بسهولة وذلك لأنَّهم لا يتحدَّثون اللغة نفسها، ليس مثل اللبنانيين. ولكن في الحقيقة يرتبط حزب الله باعتباره تنظيمًا شيعيًا بإيران أكثر من ارتباطه بسوريا. ولذلك فهو مشغول الآن حسب اعتقادي ببقائه أكثر من انشغاله ببقاء نظام بشار الأسد.
هل الثورة في البحرين هي الأكثر حساسية بالنسبة لإيران؟

تشكِّل تركيا العلمانية منافسًا جدِّيًا آخر لجمهورية إيران الإسلامية. ويتَّضح بالنظر إلى جهود أنقرة الرامية إلى احتواء المعارضة السورية ومن خلال تنظيم اجتماعات المعارضة السورية في تركيا، أنَّ تركيا تريد لعب دور القيادة في المنطقة وعدم ترك أي مجال لطهران. فما مدى تأثير ذلك على العلاقة القائمة بين البلدين؟
گرانمايه: سأقدِّم تصوري بناءً على ما حدث في بداية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر، ولكن لنتذكَّر أولاً كيف أدان بشدَّة القائد السابق للحرس الثوري، يحيى رحيم صفوي سياسة تركيا الرامية إلى نشر الإسلام الليبرالي في الشرق الأوسط وكذلك التصريح الذي أدلى به إردوغان في مصر فيما يخص أهمية الأنظمة العلمانية في البلدان المسلمة. وبالإضافة إلى ذلك لقد أدان صفوي أيضًا موافقة تركيا على نشر الدرع الصاروخي الدفاعي الخاص بحلف الناتو على أراضيها. ولكن في بداية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر التقى نائب وزير الخارجية الإيراني بوزير الخارجية التركي في أنقرة وأعلن عقب هذا اللقاء أنَّ تركيا وإيران تقفان مع بعضهما فيما يتعلق بالتطوّرات في الشرق الأوسط؛ وحسب ذلك فإنَّ كلاهما يريد الحفاظ على علاقة جيدة بينهما نظرًا إلى مصالحهما المشتركة، مثلاً فيما يخص مسألة المقاومة الكردية، إذ إنَّ كلا البلدين يهاجم المناطق الكردية أو شمال العراق. أضف إلى ذلك أنَّ إيران تصدِّر الغاز إلى تركيا وإذ أتيحت لها في المستقبل فرصة تصدير الغاز إلى الغرب فعندئذ ستمر أنابيب الغاز الإيراني عبر الأراضي التركية. ولذلك من الأفضل لإيران ألاَّ تتحدى تركيا كثيرًا حتى لا تزيد عزلتها أكثر مما هي عليه.
هل يفكِّر الشعب الإيراني منذ اندلاع الثورات العربية بأنَّه يجب عليه الآن وبعد فشل انتفاضته في عام 2009 المحاولة مرة أخرى؟ أم أنَّه متعب من القمع؟
گرانمايه: الأجواء في إيران متوتِّرة للغاية. يتم في إيران حرمان الكثيرين من الناس من أداء دورهم السياسي. وفي حين كان يتم في الماضي إقصاء المسلمين الليبراليين مثل أنصار أوَّل رئيس وزراء بعد الثورة، أصبح يتم الآن اقصاء مَنْ يطلق عليهم اسم البراغماتيين الإسلاميين، أي بعض السياسيين مثل محمد خاتمي وزعيم الثورة الخضراء مير حسين موسوي. ولكن هذا الإقصاء لا يتوقَّف عند حدّ معين؟ فهو لا يقتصر على السياسيين وحدهم، بل يشمل جميع أفراد المجتمع. وعلى سبيل المثال لا يسمح في إيران للأقلية السنية التي ساهمت أيضًا في تشكيل الحكومة الإسلامية وقاتلت على أية حال ضدّ نظام صدام حسين، بإقامة صلاة عيد الفطر في طهران. وبدلاً من ذلك يطلب منهم أن يؤمهم إمام شيعي في الصلاة، الأمر الذي يتعارض مع معتقداتهم الدينية. وباختصار إنَّ جميع الإيرانيين يائسون كثيرًا، ولا يبدو أنَّ هناك خلاصًا لهم.
أجرت الحوار: منى سركيس
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011
الدكتور علي گرانمايه دبلوماسي إيراني سابق، يعمل الآن مدرسًا لمادة العلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية SOAS في لندن.