فيلم ''أغاني القاهرة''.....أنغام الثورة وألحان ميدان التحرير
يسافر ألكسندر بريف منذ عشرين عامًا بشكلٍ مكثَّفٍ إلى مصر، حيث قصد مرارًا سيناء باعتباره مدرِّب غطسٍ ومصوِّرًا تحت الماء. وقد تعرّف قبل عدة سنواتٍ عن طريق أصدقاءٍ على الساحة الثقافية في القاهرة فنالت إعجابه الشديد وقال بهذا الصدد: "نالت علل المدينة وتنوعها إعجابي فورًا، ولمستُ بسرعةٍ أنَّ الكثير هناك يمر بمرحلة تغييرٍ جذري، وبالأخص في مجال الفرق الموسيقية المستقلة التي تقدم أعمالها خارج المسارح العامة والتي لم تكن تحظى بطبيعة الحال بدعم النظام. هذا الغليان تحت الأرض كان بالنسبة لي حافزًا لصنع فيلم". وقد شكّل أيضًا فيلم فاتح أكين "عبور الجسر" أحد مصادر إلهامي لهذا العمل".
يمكننا أنْ نفترض في ظل ظروفٍ عاديةٍ أنَّ من شأن فيلم "أغاني القاهرة" أنْ يغدو بالفعل نظيرًا مصريًا لصورة اسطنبول الموسيقية التي صنعها فاتح أكين. لكنْ بعد أنْ قام ألكسندر بريف ببحوثٍ وتحضيراتٍ مطوّلةٍ وأثناء انتظاره في كانون الثاني / يناير 2011 قدوم يوهانس روسكم ووكالته الإعلامية موفيمينتوس المسؤولة عن توفير المعدات الفنية، بدأت الاحتجاجات الضخمة تتشكَّل في ميدان التحرير، ولم يعد باستطاعة شريكه اللحاق به، إذ أُلغيت الرحلات الجوية وقتئذ. أراد بريف أنْ يحوِّل المحنة إلى فعلٍ إيجابي، فأخذ يسجل بذاته الأحداث الجارية في البداية. ويقول متذكرًا تلك الفترة: "في أول الأمر صار الفيلم في أعيننا صغيرًا وغير ذي أهمية. وأردت أنْ أوثِّق بشكلٍ مرهفٍ ما كان يجري في تلك الفترة. ولم أقف بطبيعة الحال في وسط ميدان التحرير، لأنني لم أشأ أنْ أزيد من تغذية الشائعات القائلة بأنَّ الأوروبيين يوجِّهون هذه الثورة".
فن في صخب السياسة

من خلال مرافقتهما الفرق الموسيقية حتى كانون الأول / ديسمبر 2011 في ظل هذه الظروف قدّم بريف وروسكم في فيلم "أغاني القاهرة" لقطةً سريعةً فريدةً وإنْ كانت غير مقصودةٍ لمشهدٍ موسيقيٍ يعيش حالة من الحماسة الشديدة والتهويم. يتجلّى هذا على وجه الخصوص في المقابلات التي أجرياها مع فنانين من فرق الأندر جراوند، مثل ثلاثي بيكيا الذي يمزج في موسيقاه الجاز بالروك الحديث والأصوات التجريبية، وهي فرقة تسعى لبداية جديدة بعيدًا عن صور الأهرامات النمطية وتؤكد على أنه لا بدَّ الآن من تجديد البحث عن كلِّ المرجعيات. كما يرى النجوم المستقلون في فرقة وسط البلد في الثورة فرصةً لتعاونٍ جديدٍ بين كل الفرق الموسيقية في مصر. أما فرقة ماسكارا النسائية التي تقدم موسيقى كلاسيك ميتال فهي أقلّ تفاؤلًا. ولم تسمح عازفات الفرقة بعرض صورهن في فيلم " ميكروفون" (2010) للمخرج أحمد عبد الله، إلا مع استخدام خطوط تخفي عيونهن. ومع أن دينا الوديدي ونانسي منير وزميلاتهما لم يعدن غير معروفات، إلا أنهن يخشين من احتمال فقدان حرياتهن المكتسبة مؤخرًا في حال تولي الأخوان المسلمين الحكم.
المحضرمون

يرى ألكسندر بريف أنَّ "الموسيقيين يتأرجحون بين النشوة والاكتئاب. فلا أحد يعرف حتى الآن كيف ستتطوّر الأمور". ويضيف يوهانس روسكم "لكنهم أطاحوا على الأقل بمبارك، الأمر الذي منحهم ثقةً جديدةً بالنفس". وبحسب التقدير الشخصي لصانعي الفيلم لا تمكن إعادة عجلة الأمور تمامًا إلى الوراء ويقولان بهذا الصدد: "سوف يمتلئ ميدان التحرير ثانيةً إنْ بالغت السلطة الجديدة في اتخاذ اجراءات مكبِّلة". يريد بريف وروسكم المتابعة والتواصل مع العازفين والمغنين، وهما يبحثان عن داعمين لمشروعهم المموَّل حتى الآن ذاتيًا. وقد لاقى فيلمهما صدىً واسعًا في القاهرة، وسوف يتبع عرض الفيلم في مهرجانات الإسماعيلية وأوبِراودورف. ويحلم معدا الفيلم في يومٍ ما بإنجاز موسيقى تصويرية وحفلة موسيقية في الهواء الطلق في ألمانيا، لكي تصل أنغام القاهرة إلى أوساطٍ عالميةٍ أيضًا.
شتيفان فرانتسن
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام الغدم
حقوق النشر: قنطرة 2012