فيلم ''جيل قندوز''........رحلة واقعية داخل الشخصية الأفغانية
على الشاشة يظهر ميرويس. وميرويس هذا هو صبي صغير يعمل في تلميع الأحذية في مدينة قندوز. نتتبع ذا الأعوام العشرة عبر شوارع مدينته، التي لا نعرف عنها سوى القليل. أصبح ميرويس دليلا لنا، وفي نفس الوقت فتح لنا الفتى الصغير نافذة كبيرة كي نصحح نظترنا المحدودة حول ما نسمعه من أخبار الحرب. هنا نتعرف على منظور الطفل للأمور. يشرح لنا ميرويس حربا، لم يعد الكثير من الناس يفهمونها.
وببداهة تشبه تقريبا بداهة الخبير السياسي يروي الصبي حكايات عن الطائرات والموتى، وعن "الناتو أو مايشبه ذلك". بالنسبة للطفل، الذي لم يتبق من طفولته سوى النذر اليسير، فإن ما يجري في الخارج هي "حرب الآخرين"، وهذا هو العنوان الفرعي للفيلم من إخراج مارتن غيرنر. ويقول المخرج غيرنر عن فيلمه: "لقد فعلت أقصى ما يمكن فعله. لقد سافرت إلى الناس العاديين هناك". قوة الفيلم تكمن في حياديته؛ فلا يتم فيه التقييم ولا التعليق. أبطال الفيلم يتحدثون عن أنفسهم، محتلين كامل المساحة. أفكارهم وأمنياتهم هي كالخيط الأحمر الذي يسحبونه طوال الفيلم.
من النظرة الموضوعية الشاملة إلى النظرة الشخصية

ثم يأتي المشهد في السيارة. يتحدث حسيب عن السيارات السريعة لحلف شمال الأطلسي، التي تصدم أحيانا سيارات الناس وتثير رعبا في أوساط السكان. الحديث عن الحرب هو موضوع حاضر دائم في النقاشات. مارتن غيرنر يعرف كيف ينقل للمشاهد ذلك التوتر الموجود بين الاعتيادية والصراع في حياة أبطاله. الأمر كذلك أيضا مع غلام وخطيرة، اللذان يصوران، وسط أتون الحرب، فيلما سينمائيا. يريد غلام أن يظهر للعالم بأن هناك شبابا في قندوز نجحوا في صنع فيلم سينمائي. وكان على خطيرة أن تتغلب على معارضة أسرتها، فقط لتتمكن في أخذ مكان لها وراء الكاميرا. وأحداث الفيلم الذي يصورانه تتمحور حول المواضيع الكبرى كالعائلة والحب.
نظرة ثاقبة على النفس الأفغانية

أفغانستان ليست بالأمر الجديد بالنسبة لمارتن غيرنر. فمنذ عام 2004 وهو يبث تقاريرا، كصحفي إذاعي، من هندوكوش. كما ساهم، كمدرب إعلامي، في تطوير الصحافة الأفغانية. ومن خلال معرفته لللغات المحلية، حاز على ثقة أبطال فيلمه الوثائقي. وهكذا، وعن طيب خاطر، فتح له الأشخاص اللذين التقاهم عوالم حياتهم الخاصة، الأمر الذي مكّن غيرنر من إلقاء نظرة عميقة، لم ينجح في الوصول إليها سوى عدد قليل جدا من الصحافيين الأجانب.

وكذلك الأمر يتم توثيق الانتكاسات: مذيعة الراديو الشابة لم تعد ترغب بالتحدث إلى المخرج، لأن خطيبها منعها من ذلك. وهي التي كانت قبل لحظات قد انتقدت واقع القضاء في أفغانستان بسبب هيمنة الرجال عليه. الواقع صعب؛ فعلى الطرف الأول تقف حيوية الشباب ونشاطهم. ولكن التفاؤل يصطدم مرارا وتكرارا بالواقع المرير في بلد مدمر. ومع هذا المزيج من الأمل واليأس، ينتهي الفيلم ويتم توديع المشاهدين، ليصبحوا أقرب إلى الواقع في أفغانستان بفضل الفيلم، الذي لم يقدم أي وثائقي تلفزيوني آخر حول منطقة هندوكوش ما قدمه "جيل قندوز".
ماريان بريمر
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012