الرئيس الألماني غاوك - على مسافة حذرة من الإسلام
كرئيس لألمانيا لم يخلّف كريستيان فولف سوى آثار ضئيلة. ما يبقى هو جملة سيتردد صداها طويلاً: الإسلام جزء من ألمانيا. الغريب أن هذه الكلمات الأربع أحدثت استقطاباً، رغم أنها تصف حالة "فحسب"، أو ربما بسبب ذلك تحديداً. نحو أربعة ملايين مسلم يعيشون في جمهورية ألمانيا الاتحادية: هذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد، ولا حتى الرئيس الجديد يواخيم غاوك، ولهذا أعلن أنه من غير المتوقع أن "يتغير الاتجاه" في هذه القضية.
رغم ذلك: يريد غاوك أن يستخدم كلمات أخرى. ما الذي سيؤكد عليه؟ على الأفق تتضح معالم برنامجه، وهو أنه لن يدلل المسلمين. غاوك والمسلمون – من الممكن أن يصبح هذا الموضوع صعباً وشائكاً. إذا اعتبرنا ما قاله حتى الآن أساساً لبرنامجه فسوف يتبين بوضوح أنه يقف على مسافة حذرة من الإسلام.
أساس خاطئ للتقييم

في حالة غاوك يشعر القارئ بإعجابه بزاراتسين لأن كلاهما يحب الاستقطاب ويعتمد عليه. "في مثل هذه النقاشات فإن التطرف، بل والمبالغات الشعبوية، أمر مألوف"، يقول غاوك عن زاراتسين في حديث مع "زود دويتشه تسايتونغ". كلا، هكذا ينبغي على المرء أن يصيح: في مثل هذه النقاشات لا يجب أن تكون المبالغات والشعبوية أمراً مألوفاً، على الأقل ليس بهذا الشكل!
يمكن معرفة موقف غاوك من الإسلام من خلال الحوار الذي أدلى به إلى تلفزيون صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ"، حتى وإن كان حديثه هناك ملتوياً أشد الالتواء. في معرض كلامه عن الإسلام يتحدث غاوك عن "الشعور بالغرابة والبُعد عن "تقاليد مختلفة تماماً" عن التقاليد "الموجودة لدينا"، بل إنه يحذر من "تزايد نسبة الغرباء على أرض التنوير الأوروبي وعلى أرض أوروبا الدينية". إنه يختار هنا "عن وعي تام" – مثلما يقول – كلمة "تزايد الغرباء"، وهي الكلمة التي بدت وكأنها قد مُحيت من قاموس الاستخدام اللغوي العقلاني العام، على الأقل منذ أن استخدمها شتفين هايتمان. وللتذكرة فحسب: السياسي هياتمان من ولاية ساكسونيا وعضو الحزب الديمقراطي المسيحي لم يتم اختياره رئيساً لألمانيا بسبب استخدامه لهذه الكلمة تحديداً.
رؤية ثنائية للأشياء

إن هذا الخطاب الإقصائي يحمل في ثناياه مرارة خاصة بالنسبة للمسلمين الذين ولدوا في ألمانيا و / أو نشأوا فيها، هؤلاء الذين يتحدثون الألمانية كلغة أم والمتأثرين – مثلهم في ذلك مثل أندادهم غير المسلمين في المدرسة أو في أماكن أخرى – بقيم وأعراف البلاد (أي متأثرين بالتنوير أيضاً)، والذين هم لهذه الأسباب وغيرها جزء أصيل من ثقافة المجتمع الألماني. فارتداء امرأة شابة الحجاب أو إطلاق شاب لحيته لا يعنيان مطلقاً أن قيم كانط التنويرية غريبة عليهما.
على كل فإن الخطاب الأول المهم الذي ألقاه غاوك بعد أن حلف اليمين رئيساً للجمهورية يشير إلى أنه يصدر الآن، في منصبه الجديد، أحكاماً أكثر توازناً. في هذا الخطاب أعلن غاوك أن "المجتمع المنفتح والجاذب" أمر يهمه للغاية. ثم قال مذكراً إن الدستور الألماني يضمن لكل الناس القدر نفسه من الكرامة "بغض النظر عن المكان الذي جاءوا منه أو المعتقدات التي يؤمنون بها واللغة التي يتحدثون بها". ثم قال مضيفاً: "الدستور لا يفعل ذلك كمكافأة عن الاندماج الناجح، كما أنه لا يحجب هذه الضمانة كعقوبة لمن لا يريد الاندماج في المجتمع".
رغم ذلك فإن هناك مسافة حذرة من الإسلام واضحة في كلماته هنا أيضاً، إذ أنه يتحدث في الوقت نفسه عن أن "أدياناً أخرى كالإسلام" قد دخلت إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية وهي تقف "إلى جانب التقاليد المسيحية البديهية، الألمانية اللغة". من يقف "إلى جانب" مجموعة، لا يكون بالضرورة منتمياً إليها. لهذا كان من الأفضل لو أن غاوك قال "مع" بدلاً من "إلى جانب" – وهو تغيير بسيط، لكن تأثيره كبير. قد يعترض البعض على ذلك قائلاً إن هذا النقد يتعلق بتغيير لغوي طفيف هين. غير أن خطيباً مفوهاً مثل غاوك عليه أن يزن كل كلمة بعناية قبل أن ينطق بها، خاصة وأنه في مقطع لاحق يضع الإسلام – دون أن يسميه – في سياق "الفاشية والإرهاب" الشائع. وبالنظر إلى أحداث تولوز في فرنسا فإن هذا شيء مفهوم، غير أن المرء كان يتمنى لو أنه، بسبب ذلك تحديداً، قد وجد كلمات يكون لها أثر موازن.
تشييد الجسور وإطلاق التحذيرات في آن واحد
ينبغي أن يكون ذلك تحديداً هو مهمته كرئيس للبلاد: ألا يعمل على الاستقطاب في موضوع الإسلام، بل أن يستخدم لغة دقيقة وأن يجمع الناس بدلاً من أن يبث مزيداً من الفرقة بينهم؛ ألّا يبني جبهة تفصل بين المسلمين وغير المسلمين، أي "بيننا" و"بينهم"، بل أن تكون الجبهة الفاصلة هي بين المتطرفين وغير المتطرفين. إن عليه أن ينجح في كل هذا، بدون أن يتجاهل كافة المشكلات الموجودة الخاصة بالاندماج أو يخفيها تحت رداء الصمت. إن عليه أن يكون مشيداً للجسور ومحذراً ومنبهاً في الوقت نفسه.

إن هذه المهمة سهلة نسبياً عندما يتعلق الأمر بالمسلمين الذين يُنظر إليهم في ألمانيا على أنهم "ليبراليون" أو "علمانيون"، أي النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب مثلا، أو الرجال الذين يشربون أحياناً كأساً من الخمر. لكن الحقيقة هي أن عدد لا يستهان به من المسلمين يفسرون دينهم تفسيراً آخر، أي تفسيراً تقليدياً. ربما يكونون "محافظين"، لكنهم يستطيعون بالرغم من ذلك أن يقفوا بقدمين ثابتتين على أرضية دولة القانون الليبرالية. فليس هناك أي تناقض في أن يكون المرء مسلماً متديناً وديمقراطياً.
إن على ألمانيا أن تربح المسلمين الألمان المحافظين تحديداً إلى صفها، لأنهم يشكلون جزءاً مهماً من الوسط الإسلامي، وبدونهم، أي بدون "المتدينين"، لا يمكن الوصول إلى ما يمكن أن نسميه "الإسلام الألماني". هؤلاء هم الذين يستطيعون بالأحرى أن يحفظوا الشباب من الانزلاق إلى التطرف. إن على الرئيس غاوك – وهو في الأصل قسيس وبالتالي يتمتع بحساسية خاصة بالنسبة للدين – أن يبدأ هنا، وأن يبحث عن الحوار مع أولئك الذين يُهمشون بسبب عقيدتهم. لقد حذر غاوك نفسه المستمعين إلى خطابه في البرلمان الألماني (البوندستاغ) ومجلس الولايات (البوندسرات) من أن على المرء ألا يسمح "للمخاوف والحساسيات والصور السلبية بأن تقوده" فيما يتعلق بقضايا التعايش. يا لها من كلمات حقة! وبكلماته هذه وضع غاوك أساساً للحكم على إنجازاته.
يان كولمان
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012