الحشيش وسيط الحوار بين الحضارات


هنا يقرفص حشّاش مُسنّ في "جلسة كيف"، يحشو غليونته (السّبْسي) وينشد أغنية تمجّد تدخين الحشيش الذي لا يجلب "أيّ ضرر على الجسم"، والذي يستخدمه الأطبّاء "كدواء". ثمّ يشرع في سرد أقصوصة عن الملك سليمان والطيور لا يأتي إلى نهايتها أبدًا. لكنّنا نعرف منه في الأثناء أنّ الحشيش ما فتئ يدخَّن "منذ 824 سنة ".
لكن مهما يمكن للتّيه أن يأخذ العقل في رحاب المتاهة الفسيحة للعالم الداخليّ، فإنّ بعض الحدود الخارجيّة تظلّ حاضرة لا يمكن تخطّيها. فحيثما تكون هناك نشوة يكون هناك الواقع أيضًا: "صوّرني يا أخي، صوّر أمّا الحساب فسيأتي من بعد، أمام المحكمة " يقول أحد المشتغلين في قطف الحشيش مازحًا. وبسرعة يتّضح لنا أنّنا نتحرّك الآن داخل مجال المحضور ( وبالفعل قد تمّ تصوير فيلم غريبر كلّه حسب اتّفاق مسبّق مع الأهالي من سكّان المنطقة على أن لا تقع الوشاية بأحد من المشاركين أو اقتياده أمام القضاء).
على إثر الإصلاح القانوني لسنة 1992 تعرّض العديد من المزارعين الصغار إلى الاعتقال، لكنّ قطاع "التجارة الكبرى" ظلّ مرّة أخرى غير مستهدف من العقوبات ؛ تجارة تنتعش بالرشوة ، وعن طريقها يتمّ تجهيز شحن مئات الكيلوغرامات على متن عربات معدّة لذلك الغرض لتُنقل بعدها بالباخرة باتّجاه أوروبا .
إنّ الحلم الطوبايّ بحياة أخرى، وحياة أفضل قد بلغ هذه المناطق الواقعة في ما وراء البحر أيضًا: " الحشيش جاهز، وفي استعداد لعبور البحر نحو أوروبا. تمامًا مثلنا نحن." مثل هذه التعابير تدلّ بوضوح على أنّ عصر العولمة قد شيّد مخافِره المتقدّمة -عدمَ استقرار ووعود برّاقة - هنا داخل محيط الحياة التقليديّة للرّيف.
أحلام واهية
إنّ مزارعي كتامة وتجّارها يدركون بحكمتهم المتأصّلة كم هي واهية تلك الأحلام التي يغذّونها، ولكنّهم يظلّون مع ذلك متشبّثين بها بعناد. أحدهم يروي قصّة تجواله الطويلة: عبر ليبيا استطاع أن يبلغ تركيا بواسطة المهرّبين، ثمّ تمّ إيقافه على الحدود اليونانيّة، ومن هناك وقع تسفيره من جديد إلى بلاده. والآن هاهو يجلس حالمًا مجدّدًا، خاوي الجيب. في الحشيش يجد المرء الكثير: مصدر إلهام، مخزون ثقافي، بضاعة للتصدير، وسيلة هروب، وهاهو الآن ممثّل لدور رئيسي في هذا الفيلم ذي الطابع المباشر والمؤثّر على نحو مميّز.
( دانيال غريبر يبدو لم ينج كليًّا من الأمر: مشروعه المقبل "أوتيل (فندق)هندريكس"
يستند إلى أسطورة معروفة . فعازف الغيثارة الشهير(جيمي هندريكس) قد قضّى حسب ما يحكى فترة طويلة من الزمن في المغرب . وما الذي ترى كان يفعل هناك ؟)
بقلم أمين فرزانه فر
ترجمة علي مصباح
للمزيد من المعلومات عن الفيلم اطلع على الموقع التالي:
www.haschisch-film.de