هل سيتمخض الربيع العربي عن ميلاد جديد للجامعة العربية؟
لعقود طويلة من الزمن كانت الجامعة العربية بمثابة رابطة دولية عاجزة ومنظمة متداعية تنقصها الهياكل الواضحة والأهمية السياسية. وعلى الصعيد الدولي كان هذا "النمر الورقي العربي" مدعاة للسخرية في مناسبات وفي خضم أحداث عديدة. ولهذا مثلت هذه المنظمة بالنسبة للكثير من المراقبين والناشطين في مجال الديموقراطية "مرضاً عربياً"، اتضحت معالمه في الجمود السياسي وعجز الشعوب العربية بشكل خاص. لكن يبدو أن التغيرات التاريخية التي أتت بها رياح الربيع العربي حررت هذه المؤسسة من سلبيتها الذاتية ومن قصورها.
التدخل في ليبيا كنقطة تحول

حزم مذهل ضد نظام الأسد
كان نظام القذافي في ليبيا ممقوتاً من أغلب الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومعزولاً إلى حد بعيد، لكن الحالة السورية مختلفة، إذ إن سوريا تعد تاريخياً وثقافياً من البلدان العربية ذات الأهمية الكبيرة، كما أنها تعد مهد الحركة القومية العربية. وعرف نظام الأسد كيف يظهر أمام الشعب السوري بمظهر المدافع الوحيد عن المصالح العربية ضد تأثيرات الهيمنة الغربية. إضافة إلى ذلك فإن سوريا تحافظ على تحالف استراتيجي مع إيران وحزب الله في لبنان، وهما حليفان قويان في المنطقة. وعلى الخلفية تلك يجب أن يتم تقييم قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سوريا، لأنها لم تلتزم ببنود خطة الوساطة المتفق عليها. لكن هذا الأمر يختلف تماماً عن الفيتو المتعلق بالحالة الليبية.
قطر والمملكة السعودية – قوى محركة

إن ملكيات البترول الغنية في المملكة العربية السعودية وقطر ترغبان في استغلال فرصة التغييرات الحادثة في العالم العربي لصالحها، فالعائلة الحاكمة في قطر ترغب في جعل إمارتها الصغيرة قوة إقليمية في المنطقة. ولذلك فإنها تستغل "سياسة دفتر الشيكات المفتوح" بشكل حاذق وقناتها التلفزيونية "الجزيرة" كأداة إعلامية للقوة الناعمة.

وبدورهم يتحين المخططون الاستراتيجيون في المملكة السعودية فرصة تاريخية أخرى: فبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق نما النفوذ الإيراني في المنطقة، ومن خلال الإطاحة بحليف إيران بشار الأسد يمكن أن يتراجع نفوذ طهران في المنطقة من جديد. إن النخب المتنفذة حول العاهل السعودي تعتقد في الوقت الراهن أن سوريا ما بعد الأسد ستهيمن عليها القوى السنية، وهم أقرب إلى "المعقل السني للإسلام"، منها إلى إيران الشيعية. وحتى حزب الله الشيعي في لبنان، حصان طروادة الإيراني في العالم العربي، لن يبقى دون نظام الأسد قوة يحسب حسابها.
وهذا التوجه داخل الجامعة العربية يستمد زخمه أيضاً في أن حركة حماس، الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين السنية في مصر، تمتنع عن دعم القمع الدموي لحركة الاحتجاجات على نظام بشار الأسد. لكن ليست المخاوف الواضحة لملكيات الخليج من السيطرة الإيرانية فقط تدفع الجامعة العربية إلى انتهاج سياستها التدخلية، بل وأيضاً الضعف الذي يعاني منه الغرب في الوقت الراهن، فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية لا يقوم الغرب بدور يُذكر في تشكيل معالم الأوضاع الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما قد يمكن أن يؤكده نهج الجامعة العربية الجديد.
لؤي المدهون
ترجمة: عماد غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011