الثورات العربية- ربيع سياسي بخريف تعليمي

طافت صور خريجي الجامعات الشباب في تونس والقاهرة وهم يلوحون بقبضاتهم وشهاداتهم الجامعية في الهواء في أرجاء العالم، فرغم مستواهم التعليمي العالي، إلا أن الكثير من الشباب الأكاديمي العربي لا يجد عملاً، وهم أفضل تعليماً من جيل آبائهم وأمهاتهم واستغلوا كل فرصة للدراسة.
لكن البطالة بين الشباب لم يكن لها تأثير على أوضاعهم المالية وحسب، ففي المجتمعات العربية المحافظة يستحيل الزواج أو تأسيس عائلة دون دخل ثابت. لا عجب إذاً أن قام الشباب المتعلم بالتنفيس عن غضبه من خلال مظاهرات واحتجاجات، ملقياً باللائمة في وضعه المزري على السياسات التعليمية والاقتصادية للحكومات العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نمو اقتصادي دون فرص عمل

فقد شهد الاقتصاد التونسي نمواً أعلى من المتوسط في السنوات الأخيرة، إلا أنه بقي معتمداً بشكل كبير على السياحة وتصدير المنسوجات إلى أوروبا.
أما الخريجون المؤهلون فلم يستطيعوا إيجاد فرص عمل في هذين القطاعين. وإلى جانب السياسة الاقتصادية الأحادية التي توجهها الحكومة بشكل كبير، فإن الفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية المفرطة تزيد من صعوبة خلق فرص عمل للكفاءات، سواء من خلال الاستثمارات أو الشركات الخاصة.
تصورات تعليمية مضللة
ومع أن الحكومات العربية استثمرت الكثير من المال في مؤسسات التعليم العالي والمدرسي، إلا أنها غير قادرة على تقديم أي نجاحات. ولذلك تحذر الخبيرة في شؤون التعليم صباح صافي منذ سنوات من "ثغرة علمية متوسعة" قد تهدد بشلّ العالم العربي. وتدلل صافي، التي تعمل منذ 25 عاماً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، على الجودة المنخفضة للجامعات العربية بعدد براءات الاختراع التي قامت بتسجيلها.
وتضيف صباح صافي: "عدد براءات الاختراع التي يتم تسجيلها في العالم العربي مقارنة ببقية العالم يثير القلق". فبينما سجلت كوريا الجنوبية وحدها في العام الماضي 16 ألف براءة اختراع، سجلت الدول العربية مجتمعة في نفس الفترة الزمنية أقل من ألف براءة اختراع.
طرق تعليم قديمة وفشل في التوجيه المهني

وبالرغم من النجاحات الكبيرة في محو الأمية، إلا أن الدول العربية فشلت في إصلاح النظام المدرسي والتوجيه المهني بشكل يتلاءم مع سياسات التوظيف في الأسواق. ولهذا السبب فإن الكثير من الدول العربية لديه عدد كبير للغاية من خريجي العلوم الطبيعية، خاصة في مجالي الطب والهندسة، بينما ينقصها عدد كبير من الصحافيين وعلماء الاجتماع والسياسة المؤهلين.
ربيع عربي غائب عن المدارس والجامعات

هذه سياسة تعليمية ذات عواقب وخيمة، ففي هذا الوقت الذي يتسم بتغيرات تاريخية، تحتاج الدول العربية بشكل كبير إلى خريجي العلوم الإنسانية، من أجل بناء الأطر الحكومية المدنية، كالأحزاب ووسائل الإعلام والنقابات. ولتحرير العالم العربي من صبغته الاستهلاكية الخاملة، يرى الخبراء الدوليون بأن على هذه الدول السماح لطلاب المدارس والجامعات بالمزيد من الديمقراطية والشفافية والمشاركة في صنع القرار.
إلا أن المدارس والجامعات في الخليج وشمال أفريقيا متخلفة عن ركب الربيع العربي في هذه القضايا، بحسب ما ترى سونيا حجازي، نائبة مدير مركز الشرق المعاصر في برلين. وتقول حجازي إن "المشكلة الكبيرة هي أن الحرس القديم يحاول بكل السبل التصدي لمشاركة طلاب المدارس والجامعات في صنع القرار، رغم كل التغيرات التي يمر بها العالم العربي". وتسوق حجازي مثالاً بارزاً على ذلك، ألا وهو "الجامعة الألمانية في القاهرة، التي تهدد طلابها بفرض عقوبات عليهم إذا ما حاولوا تنظيم أنفسهم".
لؤي المدهون
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012