"حلت دكتاتورية الحزبين محل دكتاتورية الحزب الواحد"

مازال السودان بعد انقضاء أكثر من عام على توقيع اتفاقية السلام الخاصة بالجنوب منقسما على نفسه كالحال في الماضي. وفيما تدعو الخرطوم إلى اعتماد المزيد من الصبر تبدو وحدة الدولة في جوبا مهددة. مقال كتبه مارك انغيلهارت.

سالفا كير هو بمثابة المتجول بين عالمين مختلفين. إنه خلَف جون قرنق، الذي تمجده الجماهير وكان قد لقي مصرعه في حادث. وهو، أي سالفا كير، يقضي نصف وقته كرئيس لجنوب السودان في عاصمة جنوب السودان الجديدة جوبا ويتبوأ بقية الوقت منصب نائب رئيس جمهورية السودان في الخرطوم.

إنه من قلة الأشخاص الذين يعرفون بعد مرور أكثر من عام على إبرام اتفاقية السلام الخاصة شمال البلاد وجنوبها على حد سواء. لكن الذي يراه لا يثير مشاعر الفرح في نفسه: "أنا لا أطالب بالانفصال لكنني أتزعم سكان جنوب السودان. ونحن لا نعتبر وحدة الدولة أمرا يجذبنا في الوقت الراهن بمقدار كبير".

في انتظار ثمار السلام

حسب رأي كير لم يجن الجنوبيون حتى الآن ثمار السلام التي وعدهم بها الغرب ولم ينالوا أيضا نصف عائدات نفط الشمال كما كان متفقا عليه. وما زال معظم السكان في جوبا عاطلين عن العمل ويعانون من فقر شديد. والكثيرون منهم يعيشون في العراء. لا وجود هناك للكهرباء ولا لشبكات هاتف يعتمد عليها، وهناك طريق وحيد معبد يؤدي إلى أوغندا المجاورة.

يرغب السودانيون الجنوبيون في استخدام هذا الطريق لأغراض التجارة ونقل السلع التي يحصلون عليها كمساعدات. لكن استخدام شريان المرور هذا يحفل بالأخطار منذ شهور عديدة بسبب العمليات التي يقوم بها هناك "جيش السيّد للمقاومة " الأوغندي وغيره من المجموعات المسلحة الأخرى.

تواجه حركة التحرير الشعبية السودانية مشاكل أخرى داخل صفوفها أيضا. فالمحاربون السابقون في حرب الأدغال أصبحوا يتقلدون فجأة مناصب موظفين كبار، هذا وإن لم يتم بعد تشكيل جهاز وزاري مختص. لا يتقن كل هؤلاء الأفراد القراءة والكتابة. ولا أحد منهم على وجه التقريب يعرف طبيعة المهام المعهودة إليه.

الحال شبيه بذلك لدى برلمان جنوب السودان الذي يعقد جلساته في القاعة الرئيسية لجامعة جوبا السابقة. يلخص رئيس البرلمان جيمس واني إيغا حالة نفاد الصبر عند مواطني جنوب السودان بعبارة وحيدة هي: "لقد عانى مواطنونا الأمرين زمنا طويلا، والآن يريدون أن ينالوا منا جزاء ذلك، لكننا لسنا قادرين على تلبية مطالبهم نظرا لقلة إمكانياتنا المالية".

قائمة الرغبات طويلة فهي تتضمن بناء الطرق ومنح القروض الصغيرة وتوفير دورات التأهيل وبناء المستشفيات وإنشاء جامعة جديدة. واني إيغا يقول إن الحاجة لا تنصب فقط على توفير المصادر المالية بل على الاستعانة أيضا بالخبراء الأجانب بهدف تنفيذ المشاريع.

وبعد انقضاء الحرب الأهلية التي استغرقت أكثر من 20 عاما لا يكاد يوجد سوداني من الجنوب يتمتع حتى بأبسط قواعد التعليم الابتدائي، هذا ما عدا الملايين منهم الذين كانوا قد فروا إما إلى الخرطوم وإما إلى البلدان المجاورة.

ومن الصعب على المرء أن يجعل سكان جنوب السودان يستوعبون ضرورة تقلد هؤلاء الأفراد الذين فروا من ديارهم بسبب حرب التحرير لأحسن الوظائف. فتلك المحاولة تكون بمثابة الدائرة المفرغة.

نداءات بالصمود من الخرطوم

تعمد الخرطوم إلى تقييم مثل هذه المشاكل من باب التقليل من حدتها. قبل أكثر من نصف عام حلت حكومة ائتلافية تشارك بها حركة التحرير الشعبية السودانية محل حكومة الحزب الواحد التي شكلها المؤتمر الوطني ذو السمة العربية المسلمة بقيادة رئيس الدولة عمر حسن البشير.

من المقرر بناء على معاهدة السلام المبرمة في التاسع من يناير/كانون الثاني 2005 أن يقود هذا الائتلاف دولة السودان بكاملها، التي هي كبرى دول أفريقيا، حتى عام 2011 . بعد ذلك التاريخ يحق لسكان الجنوب أن يقرروا عما إذا كانوا يريدون إحراز الاستقلال أم لا.

يقول في هذا السياق على سبيل المثال بونا مالفال وهو من فعاليات حركة التحرير الشعبية السودانية ويعمل منذ بضعة شهور مستشارا لدى بشير: "أمامنا متسع من الوقت، ولا أحد يمكنه أن يتوقع حل كافة المشاكل في العام الأول". وينصح مالفال باللجوء إلى مزيد من الصبر.

منتقدو النظام يدينون مالفال ويعتبرونه من الانتهازيين المنتفعين من الحرب ويلاحظون بأن بعض أقطاب الحركة تقلدوا منذ التوقيع على معاهدة السلام في نايفاشا مناصب ومهاما مختلفة داخل الحكومة.

كل هؤلاء الأفراد يملكون بيوتا فخمة في الخرطوم وينالون رواتب جيدة ولا تساورهم النية في العودة إلى الجنوب المدمر. يرصد باحث سوداني في علم السياسة لم يشأ أن ينشر اسمه الوضع بقوله: "حلت دكتاتورية الحزبين محل دكتاتورية الحزب الواحد". وكان هذا الباحث يعمل في السابق لدى إحدى المؤسسات السياسية الألمانية.

يضيف هذا الباحث بقوله: "يسمح البشير لأعضاء حركة التحرير الشعبية السودانية بالجلوس على طاولة مجلس الوزراء، لكن هذه الطاولة هي طاولته وهو أيضا الذي يحدد المعايير والشروط".

ويستطرد بأن المشكلة تكمن في كون سودانيي الشمال يتفوقون كثيرا على شركائهم الجدد من جنوب السودان :

"أفراد جماعة البشير مثقفون ولهم خبرة في مجال التكتيك السياسي كما أنهم يخضعون جهاز المخابرات الضخم وأجهزة الإعلام لمراقبة صارمة منهم". في نظره لم تضعف مشاركة حركة التحرير الشعبية السودانية في الحكومة العدو اللدود سابقا -أي قيادة الشمال- بل قوت ساعده.

مستقبل النظام مجهول

الخيبة حيال هذا التطور تساور على وجه خاص نفوس المعارضة السياسية في الشمال، فالرئيس السابق صادق المهدي وحزبه الإسلامي المعتدل أي حزب الأمة، كانا يطمحان أن يكون بوسعهما معاودة النشاط السياسي في السودان الجديد.

يقول المهدي إن عكس ذلك قد حدث فمعاهدة السلام عززت سلطة النظام الحاكم. فالبشير الذي وصل إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري أطاح في عام 1989 بالرئيس المنتخب المهدي لا يعطي فرصة العمل السياسي إلا لفئة صغيرة تبسط هيمنتها على كل من الخرطوم وبور سودان. أما سكان المناطق الريفية فهم الخاسرون في هذا السياق.

هذا و يعقد خصوم النظام آمالهم على تلك المناطق الريفية ، فبعد الثورتين اللتين اندلعتا في الجنوب وفي دارفور غرب البلاد بدأت بذور نزاعات جديدة في الظهور قد تتسبب في القضاء على نظام البشير بصورة نهائية مطلقة.

في وسط البلاد تلوح أخطار اندلاع حرب بين القبائل البدوية المنحدرة من أصول عربية وبين مزارعي قبائل دينكا الأفريقية في الجنوب. كما أن الوضع في شرق البلاد بالقرب من إريتريا يغلي على نحو مماثل من ذلك.

وقد بدأت تظهر حتى في الشمال العربي المسلم معالم مقاومة ضد الحكومة المركزية، علما بأن رئيس جنوب السودان يرى في ذلك وضعا موازيا لأحداث الماضي، حيث يقول:

"دخلت حركة التحرير الشعبية السودانية أبواب الحرب الأهلية لمحاربة الغبن الذي ألحقته الخرطوم بالجنوب. لكن الخرطوم لم تعتبر بهذا الدرس". ويستطرد بأن المعرضين للقمع في كل أنحاء السودان لم يعودوا يتقبلون هذا الوضع على الإطلاق وأصبحوا اليوم على استعداد للهجوم ردا على ذلك".

بقلم مارك انغيلهارت
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

"هناك مسؤولية أوروبية تجاه أوربا
مر حوالي أحد عشر شهرا على توقيع إتفاقية السلام بين شمال وجنوب السودان، ولا يرى فولفغانغ هوبر أية مؤشرات على تحسن الوضع خاصة في محافظة دارفور جنوب السودان، ولهذا يطالب الأسقف - بعد رحلة قام بها إلى السودان استغرقت أسبوع - برلين بممارسة المزيد من الضغوطات الدولية ودعم مبادرة السلام هناك

مشكلة دارفور
يتساءل فريد هاليداي من معهد الدراسات الاقتصادية في لندن حول مستقبل الحكومة الإسلامية في السودان بعد توقيع اتفاق السلام بين الأطراف المتنازعة. هل سيتوقف القتال في دارفور في ظل الضغط العالمي القائم من قبل محكمة الجنايات الدولية؟ هل من الواقعي التفكير بحل سياسي بعيدا عن تغير ثوري؟

رمز لمستقبل السودان
وقف إطلاق النار" عنوان آخر أسطوانة للفنان السوداني الشاب عمانوئيل جال بالاشتراك مع الموسيقي عبد القادر سالم، نجم موسيقى الرقص والمقاهي في شمال السودان. ماكس أناس يعرفنا بالفنان الشاب الذي قضى طفولته كجندي قي جيش تحرير السودان.