مكائد ومفاوضات خلف الكواليس

دخلت باكستان في أزمة بعد طلب الاستقالة الذي قدَّمه وزراء باكستانيون. والمسؤول عن ذلك هو حزب الشعب الباكستاني الذي يعرِّض بسياسته عملية نشر الديموقراطية التي تم انتزاعها في كفاح مرير للخطر، حسب رأي توماس بيرتلاين.

رئيس الوزراء الأسبق، نواز شريف ، الصورة: أ.ب
قضية إعادة القضاة إلى مواقعهم تضع مصداقية مشرف والحكومة على المحك

​​قدَّم في باكستان الوزراء التابعون لحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف استقالتهم من الحكومة. لم يقبل مؤقتًا طلب الاستقالة هذا رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني التابع لحزب الشعب الباكستاني والذي يريد أولاً استشارة زعيم حزبه آصف علي زرداري.

يدور الخلاف الوزاري حول إعادة تعيين القضاة الذين عزلهم في الخريف الماضي الرئيس برويز مشرف. فمن الواضح أنَّ حزب الشعب الباكستاني متردد في تنفيذ قرار إعادة تعيين القضاة، هذا القرار الذي تم اتخاذه بشكل مشترك. لقد فاز حزب الشعب الباكستاني في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر شباط/فبراير؛ إذ أصبح أقوى حزبًا في البرلمان، من ناحية بسبب تعاطف الناخبين معه بعد اغتيال بينظير بوتو ولكن أيضًا من ناحية أخرى لأنَّ الناخبين عبَّروا عن معارضتهم لبرويز مشرف.

مني حزب برويز مشرف في تلك الانتخابات بهزيمة نكراء، في حين حصد على نحو مفاجئ حزب رابطة نواز شريف الإسلامية العدد الأكبر من مقاعد البرلمان - وذلك بفضل نهجه الواضح المعارض لبرويز مشرف وبفضل مطالبته قبل كلِّ شيء بإعادة تعيين عشرات القضاة الذين تم عزلهم من قبل برويز مشرف أثناء فرض الأحكام العرفية في باكستان.

شعور بنشوة بعد الدكتاتورية

إنَّ الأسابيع التي تلت الانتخابات واستمرت حتى تشكيل الحكومة الائتلافية جعلت الباكستانيين يشعرون بنشوة بعد الدكتاتورية. إذ اتَّفق حزب الشعب الباكستاني ونواز شريف على تشكيل ائتلاف كبير وعلى إعادة تعيين القضاة خلال ثلاثين يومًا. وفجأة بدت باكستان مشرفة على بداية ديموقراطية جديدة بعد أعوام من الحكم الديكتاتوري العسكري.

احتجاجات ضد  إقالة القضاة في باكستان، الصورة: أ.ب
"حزب الشعب الباكستاني أخذ يتذرَّع بمختلف الذرائع من أجل عرقلة إعادة تعيين القضاة"

​​غير أنَّ باكستان استعادت بسرعة صحوتها من تلك النشوة، حيث صار حزب الشعب الباكستاني ينجرف بشكل متزايد ليلعب دور رئيس الوزراء كما أخذ يتذرَّع بمختلف الذرائع من أجل عرقلة إعادة تعيين القضاة. فهو يريد تارة الحد من حقوقهم ويريد تارة أخرى أيضًا إبقاء القضاة الذين عيَّنهم مشرف في مناصبهم.

ومن ثم طرح حزب الشعب الباكستاني فكرة إحالة قاضي القضاة افتخار شودري على التقاعد في أقرب وقت ممكن. يبدو أنَّ زعيم حزب الشعب الباكستاني آصف علي زرداري لا يقيم رغم كلِّ الخطب البلاغية أيَّ وزن للقضاء المستقل والقضاة المستقلين - الذين يمكن في آخر المطاف أن يعارضوه ويعارضوا حكومته في يوم ما. وبالإضافة إلى ذلك يبدو أنَّ حزب الشعب الباكستاني لا يرد - مهما كلَّفه ذلك - إثارة غضب برويز مشرف وحلفائه الأمريكيين.

سياسة على الطراز القديم

تعتبر السياسة التي يتَّبعها حزب الشعب الباكستاني برمتها من الطراز القديم؛ فهو يجري مفاوضات سرية كما يفضِّل أكثر من ذلك إجراء المفاوضات خارج البلاد في دبي أو في لندن. فإذا صدَّقنا فقط نصف نظرية المؤامرة المنتشرة في البلاد، فعندها سيكون الرئيس برويز مشرف قد أدَّى دوره بقوة خلف الكواليس.

والآن نفد صبر نواز شريف بعد انقضاء فترة الإنذارين الذين صدرا عنه - الأمر الذي يعتبر طبيعيًا لاسيما أنَّ نواز شريف وعلى عكس حزب الشعب الباكستاني لم ينسى بعد وعوده الانتخابية.

سيقع حزب الشعب الباكستاني في خطأ إذا كان يعتقد أنَّ بإمكانه مواصلة اتِّباع السياسة التي كانت متَّبعة في فترة التسعينيات - والتي عُرفت بالقرارات والاتفاقات السرية وبالتكتّم على تفاصيل القرارات مع الجيش وبجني زعماء الحزب الحاكم ثروات مالية.

لقد وصمت هذه المكائد والفتن الانتهازية الأحزاب الديموقراطية بسمعة سيئة كما منحت مرارًا وتكرارًا الجيش الباكستاني فرصًا للقيام بانقلاب عسكري.

السلطة الجديدة لقنوات التلفزة

بيد أنَّ باكستان تغيَّرت في الأعوام الأخيرة. إذ لم يعد هناك من يطلب تدخّل الجيش. ففي يومنا هذا أصبح هناك عشرات من قنوات التلفزة الخاصة التي تعرض لسياسيي حزب الشعب الباكستاني إيمانها الشديد باستقلال القضاء وتزعجهم بطرح أسئلة حساسة.

فهل تستطيع هذه الحكومة الديموقراطية (مثلما فعل برويز مشرف في العام الماضي) على سبيل المثال وببساطة تقييد حريتهم ومنع التغطية الإعلامية؟ أو تستطيع ببساطة (مثلما فعلت حكومة برويز مشرف) إصدار أمر لقمع المظاهرات الاحتجاجية التي يقوم بها المحامون والقضاة والتي سوف تخرج على أبعد تقدير في نهاية الأسبوع المقبل على نطاق واسع؟

على الأرجح أنَّها لا تكاد فعل ذلك. فمن المنتظر إجراء انتخابات في شهرر تموز/يوليو المقبل. وفي هذه الانتخابات سوف يُجازى حزب الشعب الباكستاني على تردده. وفي المقابل يبدو أن نواز شريف سوف يُكافأ على إصراره وتمسكه بوعوده.

ما تزال الدول الغربية مثل ذي قبل لا تلعب مع الأسف أي دور إيجابي في هذا الصراع. كذلك يبدو أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية خاصة ما تزال تدعم برويز مشرف، لأنَّها وعلى الرغم من كلِّ التجارب السيئة التي خاضتها معه تنظر إليه على أنَّه الشخص الأفضل الذي يستطيع محاربة الإرهاب.

لا يدور الحديث في واشطن ولندن وكذلك في برلين عن حقوق الإنسان والديموقراطية في باكستان إلاَّ قليلاً جدًا. بيد أنَّ الباكستان تحتاج - أيضًا وفي الوقت الراهن من أجل التمكّن من محاربة الإرهاب بشكل فعّال - إلى مؤسسات ديموقراطية مستقرة مثل البرلمان والمحاكم.

إنَّ أغلبية الباكستانيين العظمى ترى ذلك على هذا النحو كما أنَّها سوف تنتزع في آخر المطاف ديموقراطيتها، أكان مع حزب الشعب الباكستاني أو من دونه.

توماس بيرتلاين
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

قنطرة

الانتخابات البرلمانية الباكستانية:
قرار لصالح الديمقراطية
أحرزت المعارضة الباكستانية الممثلة بحزب نواز شريف وحزب الشعب، الذي كانت تتزعّمه الراحلة بينظير بوتو، فوزًا ساحقًا في الانتخابات البرلمانية. هذه الهزيمة الساحقة، التي مني بها الرئيس مشرف، تعبّر عن قرار واضح اتّخذه الناخبون لصالح الديموقراطية. تعليق توماس بيرتلاين.

مقابلة مع الجنرال مسعود:
"مشرف أضحى مشكلة في حد ذاته"
في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الباكستاني من خلال جولته الأوروبية الحالية إلى تحسين صورته في الغرب، طالب عدد من كبار العسكريين الباكستانيين السابقين باستقالته. في حوار مع دينس شتوتة أوضح الجنرال المتقاعد طلعت مسعود أسباب هذه الدعوة وملامح المشهد السياسي الباكستاني الحالي.

إداناة دولية لاغتيال بوتو
"يوم أسود للديمقراطية"
يسود إجماع دولي وإقليمي حول اغتيال "الارهاب الاسود" لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب المعارض بنظير بوتو يوم الخميس الماضي، وسط تأجيج المخاوف من زعزعة استقرار باكستان وتداعيات ذلك على ترسانتها النووية