الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير

حينما أتحدث عن المعارضة هنا أقصد بها كل أطيافها المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والتي تتخذ من النضال السلمي نهجا وطريقا للتغيير، دون الوقوع في فخ الإقصاء والتفرقة بين أحد على أساس الانتماء الأيديولوجي.
لقد ارتكبت تلك المعارضة أخطاء عدة منذ اندلاع انتفاضة يناير 2011 حتى اللحظة الآنية 2019، وبالطبع كل خطأ له من الدوافع والخلفيات التي أدت إلى حدوثه، وأنا هنا لست بصدد شرح تلك الدوافع والأسباب فالمقام لا يتسع لها هنا.
ترك أداة الضغط الحقيقية...ميدان التحرير
الخطيئة الأولى: منذ اللحظة الأولى، التي انطلقت فيها الانتفاضة الثورية في يناير 2011 ارتكبت المعارضة المصرية أول خطاياها، فبعد تنحي حسني مبارك مباشرة وتمرير الانقلاب الناعم على السلطة، دعت المعارضة إلى ترك ميدان التحرير دون أن يكون هناك اتفاق على الخطوات المستقبلية، ودون الشعور بقيمة الميدان وفاعليته كأداة ضغط حقيقية في تحقيق أهداف الانتفاضة.
ولقد كان ومازال التفريط في تلك القيمة بمثابة الرصاصة الأولى، التي أطلقت على الانتفاضة. فلو بقي الناس في الميدان أسبوعاً واحداً بعد سقوط مبارك لتغير المشهد تماما، فلم يكن المجلس العسكري حينها قادرا على الوقوف في وجه الملايين التي أجبرت المجلس العسكري في أن يجبر مبارك على أن يتخلى عن السلطة.
فما زلت أذكر حينما كنت مسؤولا لملف الاتصال السياسي بالجمعية الوطنية للتغيير وأثناء الاجتماعات المختلفة كيف نادت القوى السياسية المختلفة -وفي مقدمتها جماعة الإخوان وتبعها آخرون من الأحزاب التقليدية المتحالفة تاريخيا مع الدولة العميقة (وهنا أيضا لا أعدد أخطاء طرف دون طرف)- بضرورة إخلاء الميدان، والانطلاق في العملية السياسية دون الاتفاق على الرؤية المستقبلية.



موافقة على فض الاعتصامات وعدم اعتراف بالخطأ
وهنا ثمة خلط يقع فيه أتباع جماعة الإخوان المسلمين، الذين لا يزالون يخلطون بين الأحقية في التظاهر السلمي وبين الانقلاب الذي قام به نظام الثالث من يوليو ضد الجميع، فقد خرجت المظاهرات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق حول الفكرة، إلا أن نظام الثالث من يوليو قرر أن ينقلب على الجميع، ويستولي على السلطة دون إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، إلى جانب عزل الرئيس المنتخب.
الخطيئة السادسة: الموافقة على فض اعتصام رابعة دون الوقوف ضد ذلك، أو إبداء مقاومة ولو ضعيفة، بل تم ترديد عدد من المقولات مثل: "قتَلَهم من أرسلهم"، وتم الخضوع لسردية النظام في كل ما تم إثارته حول الاعتصام، وأنه قادر على تقويض الدولة ووجودها، وهو ما يتنافى مع الواقع، فلو كان الإخوان بكل تلك القوة لما استطاع أحد الإزاحة بهم من السلطة.
إقصاء على أساس إيديولوجي
الخطيئة السابعة: تتمثل في عدم القدرة حتى اللحظة على الاعتراف بالخطأ، وعدم الدعوة إلى المصالحة الوطنية كمبدأ يشمل الجميع بغض النظر عن موقفهم السياسي والأيديولوجى. وهذا يطرح مرة أخرى إعادة تعريف معانٍ تم تشويها في السنوات الست الماضية، مثل معني التضامن السياسي، الذي يجب أن يتأسس على مبدأ المساواة بين الجميع والحرية والعدالة للجميع وليس على أساس الانتماء الأيديولوجي والسياسي كما ذكرت.
فخلال السنوات الست الأخيرة ساهمت المعارضة في هزيمة نفسها وتعميق الانقسام السياسي بينها وبين مكوناتها المختلفة، وهو ما أصبح جزءا من رؤيتها وتحركاتها، وهو ما يعني عدم قدرتها على تجاوز أزمتها الداخلية، وعدم محاولتها التمركز حول قضايا أكثر رحابة واتساعا تساهم في إيجاد حل للأزمة والموقف الراهنين.
وفي نفس السياق يبدو أيضا أن المعارضة ذاتها غير مدركة لاحتياجها إلى مرحلة جديدة تتأسس على المصالحة الوطنية. والمصالحة هنا تعني إطلاق الحوار بين الأطراف المختلفة، فبدون حوار بناء بين تلك الأطراف للوصول إلى رؤية مشتركة أساسها الحرية والديمقراطية لن تستطيع المعارضة أن تقدم نفسها مرة أخرى كبديل لنظام استباح كل شيء في سبيل بقائه في السلطة.
تقادم الخطيب
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
تقادم الخطيب، باحث مصري بجامعتي برينستون وبرلين، ومسؤول الاتصال السياسي سابقا بالجمعية الوطنية للتغيير في مصر.
Twitter: @taqadum
Facebook: Taqadum Al-khatib