تقصير المثقفين والأدباء الأتراك

رغم حصول الكاتب التركي أرهان باموك على جائزة السلام الألمانية 2005، إلا أن الأدب التركي يظل شبه مجهول في البلاد الناطقة بالألمانية. هل يعود ذلك إلى الدور الذي ينهض به الأدب في تركيا، أم إلى مستواه الفني؟ تحقيق أولي روتفوس وأخيم فانسيِنْ.

رغم حصول الكاتب التركي أرهان باموك على جائزة السلام الألمانية 2005، إلا أن الأدب التركي يظل شبه مجهول في البلاد الناطقة بالألمانية. هل يعود ذلك إلى طبيعة الدور الذي ينهض به الأدب في تركيا، أم إلى مستواه الفني؟ تحقيق أولي روتفوس وأخيم فانسيِنْ.

بالرغم من الإمكانيات والحريات غير المقيدة في مجال التعريف بالآداب الأجنبية لدى القراء فإن هناك نقصا يلاحظ في إنتاج وتلقّي الأدب التركي في البلدان الناطقة باللغة الألمانية بصفة عامة –وليس في الجزء الغربي منها فقط.

يمكن أن نستثني بعض الأعمال التي توجت بجوائز في ألمانيا على غرار أعمال يشار كمال وأرهان باموك الذين حازا على جائزة السلام للمكتبات الألمانية.

العدد القليل من الكتاب الأتراك المتواجدين هم من الذين يكتبون باللغة الألمانية، وفي ما عدا ذلك ليس هناك من ناشر يأخذ على عاتقة عناء وتكاليف المغامرة بترجمة ونشر أعمال مكتوبة باللغة التركية، هكذا بدافع الحماس لا غير.

هناك استثناء وحيد يتمثل في دار نشرUnion بزوريخ التي تمكنت من أن تفسح لها خانة في ميدان الأدب البوليسي عن طريق أعمال الكاتب جليك أوكر الأسطنبولي، وأن تنتج سلسلة روايات إسطنبول-البوليسية التي تنخرط انخراطا تاما ضمن تقليد أعمال الرواية البوليسية المحلية وذات العلاقة بمدن بعينها، والتي ما فتئت تشد اهتمام القراء منذ سنوات عديدة.

وقد بادرت هذه الدار السويسرية بدعم من مؤسسة بوش الألمانية بإصدار سلسلة أدب تركي هدفها تعريف القارئ بأمثلة مختلفة من هذا الأدب.

معطيات واقعية لكن غير مقنعة

إلا أن هذه المعطيات الواقعية تبدو غير كافية لتفسير مسألة الحضور الضعيف للأدب المكتوب باللغة التركية داخل سوق الكتب في البلدان الناطقة بالألمانية.

وحتى العدد الكبير من الأتراك المقيمين في ألمانيا لايمنح أي ضمان لنشر الأدب التركي الأصيل لدينا، كما أن أتراك الجيل الثالث الذين يقيمون داخل البلدان الناطقة بالألمانية لن يكونوا، هم أيضا ممن سيقرأ أعمالا أدبية تركية، وحتى إذا ما فعلوا فلن يكون ذلك من ضمن الأعمال المترجمة إلى اللغة الألمانية.

لكن ماذا يعني الأدب التركي الأصيل؟ إنه أدب "ذو جمالية خاصة وذاكرة خاصة" مرتبط بأعمال أدبية
نشأت في تركيا، أو في مجال أوسع قليلا داخل الجالية التركية المتكونة في المهجر.

لكن على ماذا تقوم هذه الجمالية الخاصة وهذه الذاكرة الخاصة التي تكوّن العمود الفقري لكل أدب، وكذلك العمود الفقري الذي ينبغي أن يتأسس عليه الأدب التركي أيضا؟

مقارنة بالأدب الكلاسيكي العالمي فإن الأدب التركي لا يشكل إنموذجا مثاليا أو مصدر إيحاء، أو مادة علمية. فهو يسعى هنا بصفة حصرية تقريبا وراء وظيفتين أساسيتين لا تحظى خارج تركيا بإثارة الاهتمام بحكم انعدام صلة القارئ بروابطها الخاصة، وهاتان المهمتان تتمثلان في:

صيانة الهوية وشحذ جذوتها، و التعويض السياسي الذي ينتهي إلى مفهوم الأدب كسلاح إيديولوجي، والكل مصاغ دوما ضمن علاقة لصيقة بواقع المجتمع التركي.

سؤالا الهوية والحرية

هاتان الوظيفتان لم تعرفا أي تحول تقريبا على مدى الفترة الزمنية الممتدة من بدايات الجدال حول التحديث التي عرفها القرن التاسع عشر، مرورا بالمرحلة الأتاتوركية ووصولا إلى عتبات الانضمام إلى أوروبا والنقاشات الدائرة حول هذا الموضوع.

وهكذا فإن ما كان هدفا يُسعى إلى بلوغه بالنسبة للأدب العالمي، ثم تحقق إنجازه وغدا تحصيلا حاصلا مع نهايات عصر الأنوار، ما زال يمثل بالنسبة لتركيا اليوم غاية في حد ذاتها.

ستعبر هذه الرؤية الذهنية والعملية عن نفسها بطريقة سيلمسها المرء بقوة من أمثلة التدخلات العسكرية في مسار الحياة السياسية التركية سنوات 1960 و1971 و1980، والتي كانت تعني دوما بالنسبة للأدباء والفنانين الأتراك حملات اعتقال وتضييقات ومنع من النشر.

إنها دائرة مفرغة: الجيش بصفته وريثا لدور حارس الإديولوجيا الأتاتوركية، وباسم الانتماء إلى الحداثة يمارس تجاوزات عنيفة من خلالها تفترس "الثوررات" المزعومة مبتكريها.

هالة القداسة

إنه لمما يصعب التصديق به أن يكون هناك فنانون وأدباء قد استطاعوا أن يواصلوا حياتهم وعملهم، والبعض يواصل ذلك إلى اليوم، دون خوف ولا خضوع لسطوة المسبقات. وإذا ما تمكنوا من ذلك رغم كل شيء يكون هناك ميل – من قبل طائفة الكتاب أنفسهم غالبا- إلى إحاطة هؤلاء المعاصرين بهالة من القداسة.

​​مثل هذه السير الحياتية والإبداعية يتم إخراجها بكل بساطة: إذا كان كاتب لا يملك ما يكفي من المتانة الفنية، وظل غير معروف إلى جانب ذلك فإن مرورا عبر الطريق غير المباشرة لتقمص دور الضحية من شأنه أن يرفع من درجة شهرته، وهو أمر كانت-وما تزال- وسائل الإعلام غالبا، وكذلك القائمون على أعمال دور النشر، خبيرة في طريقة توظيفه بطريقة بارعة.

وكانت النتائج ساحقة. فقد نشأت في تركيا كتابة أدبية لا تكاد تملك أي نوع من أطرالتقييم والتقويم. لا توجد على سبيل المثال حتى اليوم رابطة نقاد ذات مصداقية.

الوجه النقيض: أورهان كمال

يمكن للمرء أن يقول: لكل جمهور كتّابه! وفي تركيا لا يمكن أن تبرز في مجالات الأدب والفنون عامة أية أعمال قادرة على أن تفتح لها طريقا إلى العالمية. فوراء أولئك الذين غدوا مشهورين تقف مصالح إديولوجية وسياسية، و نادرا ما يكون القارئ هو الهاجس الذي يحركهم.

ههنا يمثل الكاتب أورهان كمال مثالا معاكسا نادرا، هو الذي حقق عمله "جميلة" المنشور لأول مرة سنة 1952، سحبا جديدا في شهر أكتوبر من سنة 2004يقدر ب110 ألف نسخة نفذت من السوق في ظرف شهر من الزمن حسب تصريح إبنه.

لقد كان على أورهان كمال(1914-1970) أن يعاني حياة الكفاف وعلاوة على ذلك أن يتحمل الانتقادات وحملات التشويه الصادرة عن رابطة الكتاب، وكان يواجهها دوما بقوله: "انتقدوني واشتموني ما طاب لكم، فلي قرّائي".

أورهان كمال، الذي لا ينبغي الخلط بينه وبين الكاتب الأكثر رواجا يشار كمال، هو نموذج الكاتب المحترف بأتم معنى الكلمة، الذي لا يستجيب لمتطلبات المهمتين الأساسيتين اللتين تحتلان موقع الأولوية لدى كل كاتب تركي: أن يكون صانع هويّة، وأن يكرس نفسه سلاحا سياسيا.

لكن لِم لم يترجم هذا الكاتب إلى الألمانية يا ترى؟ لعل ذلك يعود إلى كونه لم يكن يستجيب - ولا يستجيب الآن أيضا- إلى مقاييس الصورة النمطية للتيار الأدبي التركي السائد، حتى وإن كان للقراء أحيانا قراءة أخرى للكتاب، لا تتوافق بالضرورة ونوايا وانتظارات الهياكل المنتجة والمروجة للأدب. وهذا أيضا من باب استعصاء السوق الأدبية على معايير الضبط والتقدير.

إن السؤال الذي يحرك الأدب ذا البعد العالمي لا يتمثل في مسألة كيف يفكر الألماني والفرنسي والإنكليزي والتركي بطرق مغايرة، وما الذي يمكنهم كبشر القيام به أفضل من بعضهم البعض، بل يتمثل في ما الذي يقدرون على نقله في الأدب من تجربتهم الحياتية، أي أن يرووا لنا كيف يمكن للحياة والتجارب الحياتية أن تقدَّم وتصوَّر لنا بطريقة مثلى، نحن القراء.

ما الذي يجعل أدب الهجرة جديرا بالقراءة؟

شهدت ألمانيا اخيرا نشأة أدب منفى لم يتجاوز في أغلب الأحيان هو أيضا الإشكاليات الفنية والمحتويات المرافقة للكتابة الأدبية التركية: من نحن ؟ وماذا نمثل؟ إنها دوما الأسئلة السائدة ذاتها التي تطرح نفسها داخل أدب المهجر.

واضح أن الإهتمام بمثل هذا النوع من الكتابة الأدبية تحدده الأحداث السياسية وأوضاع العلاقات بين آسيا وأوروبا، بما يجعلها لا تتمتع سوى بقدر ضئيل من الأسباب الجمالية التي من شأنها أن تدعو إلى تقبلها.

إنه لا يمكن الحديث عن أدب مهجري إلا عندما تكون الكتابة قد انصهرت كليا داخل "أدب حلول ببلد الإقامة". لقد وجدت، وتوجد بعد، أمثلة لأعمال يرتكز المحور الأساسي فيها على "حيرة" الكاتب التي تتشكل عبر تفاعل التجربة الذاتية الجوّانية والأحداث الخارجية بارتباط مع واقع الهجرة.

إلا أن الأدب لا يمكنه أن يتغذى ويعيش إلى ما لا نهاية على الحيرة، حتى وإن كان من غير الممكن للأحاسيس أن تتشكل وتجد طريقا للتعبير عن نفسها من دون "بصمات هذه الحيرة"، وذلك بقطع النظر عن صنفها ونوعيتها. لكن الحيرة لوحدها لا تكفي.

هناك بالخصوص داخل التقليد الحديث لتسويق الأحاسيس وابتزاز المشاعر شيء ما يجعل مسألة الحيرة في حد ذاتها خاضعة للتحجيم. وغالبا ما تستعمل في غير موقع ولا مناسبة. وغالبا ما لا يتورع لا الكتاب ولا الناشرون ووسائل الاعلام من الانزلاق في مجال المحرِج والمزري أو إلى إخراج هذا التسويق العاطفي بطريقة طنّانة مفخّمة.

لقد كان من المفترض أن ينتظر المرء مادة أدبية في كتابة المهجر تقوم على اكتشاف لحظات مثيرة من حيرة مجتمع بكليته، أي ككيان جماعي يتحرك الكاتب ويعبر عن نفسه فيه كغريب وكعنصر هامشي. تفاعل وتناغم أحاسيس مع الأسئلة الكبرى التي يطرحها المجتمع وجمهور القراء من ورائه، تلك هي العناصر التي كان بإمكانها أن تكون مقياسا لوجود "أدب مهجري له موقع راسخ".

يقلم أولي روتفوس وأخيم فنْزين
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2005

أولي روثفوس أستاذ الشعرية والعلوم الثقافية التطبيقية بالمعهد الأعلى الدولي في مدينة كالف الألمانية.
أخيم مارتن فنزْين ولد وترعرع في تركيا ، درس في جامعة هامبورغ حيث حصل على ديبلوم علم الاجتماع و يعمل حاليا كاتبا مستقلا.

قنطرة
الروائية التركية أليف شفق: الصوفية والمجتمع الغربي
تعد أليف شفق إحدى أهم ممثلي الأدب التركي المعاصر وقد حازت رغم حداثة سنها على أهم الجوائز الأدبية في تركيا. مانويل غوغوس يعرفنا بكتابها الأخير الذي يتمحور حول حياة شباب ذي جنسيات مختلفة في الولايات المتحدة.

الكاتب التركي أورهان باموك
تتناول رواية باموك الأخيرة "ثلج" النزاعات الداخلية للأتراك المعاصرين، التناقض بين الحداثة والإسلام، اللهفة للإنضمام لأوروبا – والمتزامن مع الخوف من إبتلاع أوروبا لتركيا. في الحوار التالي يتحدث الكاتب عن روايته وعن الجو الثقافي السائد في تركيا

أمينة أوزدمار - كاتبة ألمانية ذات الأصل التركي
منحت جائزة كلايست الادبية للعام الحالي، وهى من الجوائز الادبية الالمانية الرفيعة، الى الكاتبة الالمانية ذات الاصل التركي أمينة أوزدمار.