منح ضحايا البحر اللاجئين بعض الكرامة والاحترام


بين القبور المجهولة الأصحاب، يتجوَّل شمس الدين مرزوق ذو الاثنين وخمسين عامًا والشعر الأشيب. يتوقَّف من حين لآخر مفكِّرًا، وينحني فوق القبور ليروي الزهور، التي زرعها فوق أكوام التراب العارية. لقد دفن هنا طفلين أيضًا، توجد فوق قبريهما مكعبات ليغو وسيَّارات للعب الأطفال. كلُّ قبر له قصة، بالرغم من أنَّ شمس الدين مرزوق، المتطوِّع في الهلال الأحمر التونسي، لا يعرف أسماء الموتى وأصولهم. جميع القبور هنا لا توجد لها شواهد حجرية بل لوحات معدنية تحمل أرقامًا، باستثنناء قبر واحد فقط يقع في ركن المقبرة. "هذا هو قبر روز ماري، وهي معلمة من نيجيريا عمرها ثمانية وعشرون عامًا"، مثلما يبلغنا شمس الدين مرزوق: لقد ماتت أثناء رحلة العبور في الربيع، أمَّا الناجون المائة والستة وعشرون لاجئًا فقد تم نقلهم إلى الشاطئ من قبل خفر السواحل التونسي. "شريك حياتها يعيش هنا في مركز اللاجئين، وقد كان هنا قبل أمس وأحضر معه الزهور"، مثلما يقول الحانوتي مرزوق. بعض الكرامة والاحترام في السابق، كان شمس الدين مرزوق يعمل صياد أسماك. ومنذ أواخر التسعينيات كانت تعلق مرارًا وتكرارًا في شباكه وشباك زملائه جثثٌ أو أجزاءٌ من جثث. وفي تلك الأيَّام بادر شمس الدين مرزوق بالتنسيق مع السلطات ودفن الموتى في مقبرة البلدة. ولكن مع مرور الوقت باتت أعدادهم تزداد أكثر. "لقد اشتكى الأهالي من أنَّ المقبرة أصبحت ممتلئة للغاية، ومن أنَّه لم يعد يوجد فيها أي متَّسع للسكَّان المحليين منذ أن بدأنا بدفن الأجانب هناك".
ثم خصَّص مجلس المدينة للهلال الأحمر التونسي قطعة أرض مهجورة تقع عند أطراف المدينة، كانت محاطة بالقمامة والنفايات، التي كان يلقيها الأهالي هناك. ومنذ ذلك الحين يقوم شمس الدين مرزوق بدفن الغرباء المجهولين هناك.
"هؤلاء الأشخاس تعرَّضوا للقمع والاضطهاد في بلادهم الأصلية وفي ليبيا، وبعضهم يموتون في الصحراء أو يركبون سفن الموت"، مثلما يقول شمس الدين مرزوق. وهو مقتنع بواجب منحهم على الأقل في الموت بعض الكرامة والاحترام.


"ربما يكون الموتى قد أنقذوهم من الموت"، مثلما يقول، مع أنَّه كان في الواقع دائمًا ضدَّ هذه الخطوة. "لقد صبروا سبع سنوات منذ الثورة - من دون عمل ومن دون آفاق". واليوم يتفهَّم - بحسب تعبيره - قرارهم هذا بشكل أفضل قليلًا، وذلك لأنَّ الشباب في تونس يعتبرون في الواقع مثل الميِّتين: "هكذا فهم يموتون بكرامة في البحر - أو يصلون إلى أوروبا، حيث توجد على الأقل ديمقراطية". لقد تم حفر قبر آخر، سيكون القبر الأخير في هذه المنطقة، إذ لم تعد توجد هنا أية مساحة. وبما أنَّ الهلال الأحمر لا يتلقَّى أي دعم من الدولة، فقد بدأت الآن منظمة الهلال الأحمر التونسي بجمع التبرُّعات من أجل شراء أرض مقبرة جديدة وشراء سيَّارة لنقل جثامين الموتى، لكي لا يتم نقل الموتى في شاحنة بيك أب.
وإذا لم يتم دعم هذا المشروع، فعندئذ "سنقوم في المستقبل بجمع الخشب، لنحرق الجثث ونضع الرماد في أوعية ونرميها مرة أخرى في البحر". هذا هو الحلُّ الوحيد إذا لم يعد يوجد على الأرض مَنْ يمنح الموتى الاحترام، مثلما يقول شمس الدين مرزوق: فمسلسل الموت في البحر الأبيض المتوسط لم ينتهِ بعد. ساره ميرشترجمة: رائد الباشحقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de