أعمال مستشرقين ورسامين وتلقيهم اليوم

كتابان يعالجان تاريخ تلقي الشرق. في حين يستطلع الأمريكي دافيس رسامي الشرق، والجدال حول الاستشراق، يسعى محمد عمارة من خلال تناول اقتباسات مستشرقين، إلى إثبات أن الإسلام هو أرقى درجات الأديان التوحيدية.

كتابان يعالجان تاريخ تلقي الشرق. في حين يستطلع الأمريكي كريستيان دافيس رسامي الشرق في الغرب في القرن التاسع عشر، والجدال حول الاستشراق، يسعى المصري محمد عمارة من خلال تناول اقتباسات علامة غربيين عن الإسلام، إلى إثبات أن الإسلام هو أرقى درجات الأديان التوحيدية. تقرير فولفغانغ شفانيتس

في سياق شرحه لمحتوى مجلده الفاخر، يقول كريستيان دافيس أن الرسامين من بين المستشرقين كانت لهم موهبة نادرة في انتقاء مشاهد رائعة للوحاتهم. لقد قام الأمريكي بتقديم أفضل تحقيق لمجموعة رسامي الشرق.

الفنانون الذين سافروا إلى الشرق وسجّلوا عصر ما قبل إنطلاقة الحداثة. عثر دافيس على اللوحات في 60 مؤسسة موزعة على عشر دول. تَصفُح الكتاب ممتع للغاية لا سيما وأنه قد نسق الأعمال بمهارة كبيرة وناقشها بمهنية.

التعرف على حياة الفنانين وأعمالهم

مواضيع اللوحات التي اختارها دافيس هي الصحراء والقافلة، الشارع والسوق، الفرسان، النساء، الايمان والصلاة، وكذلك المسرَّات. فهناك الفرنسي ليون بيلي بعمله الرئيسي "حجاج يرتحلون إلى مكة"، الذي وضعه الكاتب أيضاً على صفحة الغلاف.

كما هو الحال مع الألماني غوستاف باورنفايند بعمله "سوق في يافا" أو الأمريكي جيمس فيرمان بلوحته "إطلالة على القدس"، يدفعنا دافيس من خلال هذه اللوحات لفهم حياة الفنانين وأعمالهم.

كما ضم المجلد لوحات لارثور ريمبو، جان لويس بوركهاردت، سير ريشارد بورتون، جان ليون جيروم، جيمس تيسوت وجين ديغبي المزراب. يتناول دافيس عصرهم الذهبي الممتد من عام 1800 حتى عام 1900. ويعتبر رسامو الشرق جزءً من التنوير.

كان تلقي الفنانين المسافرين للشرق، من المغرب إلى بلاد الفرس وحتى الهند، بريئاً، وبدون تشويه مقصود. بيد أن ادوارد سعيد قد طرح في عام 1978 إسلوباً جديداً للنقد في كتابه عن الاستشراق معتبراً أن مجمل المفهوم الغربي للشرق اختلاق محض.

إدوارد سعيد والاستشراق

فكل ما فعله الغربيون ابتداءً من علوم اللسانيات إلى علوم الآثار أظهر الوقائع بشكل منحرف. ويقول دافيس إن سعيد اعتبر الدراسات الاستشراقية والاستشراق على مدى مئات السنين وسائل للتجسس والإخضاع، وإن هذا الاستشراق في كل أشكاله قد خدم الغرب.

يقر دافيس أن سعيد قد حقق اكتشافات مهمة في حالات أدبية متفرقة، ولكنه ألبس كل شيء بأطروحات ذنب مفترضة. وعلى حد زعمه أصبح سعيد عدائياً بتطرف، كما ربطت الأجيال الناشئة هذه الفرضيات فيما بعد بفن رسم الشرق في القرن التاسع عشر.

واتخذوا هجوم سعيد العنيف لإماطة اللثام عن أكاذيب واختلاقات رسامي الشرق المزعومة. ليندا نوشلين وآخرون اعتقدوا أنهم اكتشفوا التمييز الجنسي والعنصري والتعصب والكثير من الصفات المشابهة في تلك اللوحات. ويسوق دافيس حججه، بأنهم سارعوا إلى ربط التوسع الإستعماري الأوروبي بهذه الأعمال الفنية.

في عقد التفكيكية في الثمانينيات تم تفكيك أعمال رسامي الشرق من كل النواحي حسب قول دافيس: في صحتها، وأيضاً في نيتها المبطنة وربطها بالإمبريالية وكذلك في الحكم المسبق (بأن هذه النوايا كانت لدى الرسامين قبل شروعهم برحلاتهم). علاوة على ذلك جرى انتقاد طريقة عرضهم للنساء.

أين يبقى تذوق الجمال!

يرى دافيس أيضاً في أسلوب إدوارد سعيد "تلوّثا فكريا"، ويواجهه بالفن الرفيع لرسامي الشرق قائلاً: يَصِحُّ تسمية اللوحة الجميلة بأنها جميلة. وعلى النقيض من إدعاءات سعيد يود دافيس إستعادة الصيت الحسن للرسامين.

أما محمد عمارة فيعيد الاعتبار لبعض المستشرقين. فهو يثني عليهم ويستخدم نصوصهم كبرهانً ليثبت تفوق الإسلام. ينقسم كتاب محمد عمارة إلى ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول يقدم لمحة موجزة عن الإسلام الحقيقي. في الجزء الثاني يوبخ الحملة الصليبية التي يزعم أن الغرب يقودها ضد الإسلام منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. في الجزء الثالث يستشهد بإثني وثلاثين علامة من الغرب حول الإسلام.

​​هذا الجزء يدور حول اكاديميين غربيين ومقتطفات من نصوص لهم. فهناك على سبيل المثال ويليام مونتغوموري وات من سكوتلاندا، وارنولد جوزيف توينبي من انكلترا، زيغريد هونكه من المانيا وبرنارد لويس من أمريكا.

بعض المعلومات والأحكام عنهم خاطئة أو يشكك في صحتها. لم يستقص عمارة سِيَرِهم بالدقة الكافية. وعلى أي حال هناك إشكال في اختياراته، حيث أن توينبي وهونكه لا يعدان من المستشرقين، والاقتباسات غير واضحة في بعض الأحيان، إذ لا يحدد أين يبدأ الاقتباس وأين ينتهي.

يجمّع عمارة لوحة فسيفساء من المقاطع التي تناسبه، تضفي على الإسلام لوناً مشرقاً للغاية. مع ذلك يتوجب فحص عمله بشكل معمق. فهو من جهة لا يُكذِب المستشرقين بالأسلوب السعيدي، بل يقر بإنجازاتهم. وهذا يجمعه بدافيس، الذي يتميز فوق هذا كله بدقته الأكاديمية.

بقلم فولفغانغ غ. شفانيتس
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2005

فولفغانغ غ. شفانيتس باحث ألماني في الدراسات الإسلامية، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

غلاف كتاب الأمريكي كريستيان ديفيس

​​Kristian Davies: The Orientalists. Western Artists in Arabia, The Sahara, Persia And India. New York: Laynfaroh 2005.

قنطرة

وداعا أيها الشرق!
يتناول الباحث ألكسندر هريدي في كتابه الصادر حديثا كارل هاينريش بيكَر، إحدى الشخصيات الأساسية في الاستشراق الألماني ويظهر دوره في ترسيخ أفكار نمطية عن الشرق