الكاريكاتير العربي لا يؤدي دوره

أقيم في بلدة سان جوست لومارتيل الفرنسية الصالون الدولي للرسوم الصحفية والساخرة، الذي يعتبر التظاهرة الأكبر من نوعها في العالم. تحدث صالح دياب مع الرسام السوري يوسف عبدلكي والمصري جورج البهجوري عن واقع الكاريكاتير العربي.

​​أقيم في بلدة سان جوست لومارتيل الفرنسية الصالون الدولي للرسوم الصحفية والساخرة، الذي يعتبر التظاهرة الأكبر من نوعها في العالم. واستضاف الصالون حوالي خمسمائة رسام محترف يعمل غالبيتهم في الصحف و ينتمون إلى ثمانين دولة. تحدث صالح دياب مع الرسام السوري يوسف عبدلكي والمصري جورج البهجوري عن واقع الكاريكاتير العربي

ماذا عن الحضور العربي في الصالون. هل كان الرسامون العرب مشاركين منذ البداية؟

جورج البهجوري: ثمة مشكلة لبعض رسامي الكاريكاتير العرب، وهي الحضور الإسرائيلي، رغم أنني كنت معارضا للسادات إلا أنني أرى أن فكرة التطبيع فكرة سقيمة. مجرد مقابلة مع فنان عدوك وتتغلب عليه بفنك. كنت ورشيد قاسي من أوائل المشاركين ثم قدمت الرسام حبيب حداد الذي يشارك منذ بدايات الصالون. بعد ذلك جاء يوسف عبدلكي ونسيم وسعد حاجو وغيرهم.

ما هي الصعوبات التي يواجهها فنانو ورسامو الكاريكاتير في العالم العربي اليوم، بحسب رأيكم؟

يوسف عبدلكي: أعتقد أن رسام الكاريكاتير العربي يواجهه صعوبتين كبيرتين: الأولى تتعلق بمتابعة تطورات الفن على مستوى العالم وملامسة التقدم التقني والذهني الكبير الذي يتمتع به اليوم، وإنجازات الكثير من رسامي العالم، من اليابان إلى أوروبا وأميركا، لتجاوز الأطر التقليدية لرسم الكاريكاتير، ورسم ما يمكن أن نسميه بسخرية جديدة، الإلماح والذكاء.

أما الصعوبة الثانية فتتعلق بتضييق هوامش الحرية أمام الرسام. وليس جديدا القول أن رسامي الكاريكاتير العرب في الأربعينات والخمسينات كانوا يتمتعون بهوامش أوسع من رسامي العالم العربي اليوم. فلا نجد اليوم ـ على الإطلاق ـ أيّ رسم يمكن أن يمس المسائل الجنسية والدينية، هذا ناهيك عن المنع التام لأي أمر يمكن أن يمس هذا النظام أو ذاك، أو ممارساته السياسية وإضراره بحقوق العرب عموما وحقوق شعب بلده خصوصا.

هل يمكن أن تحدثنا عن واقع الكاريكاتير المصري الآن؟

البهجوري: لقد انحدر الكاريكاتير المصري كثيرا بعد وفاة صلاح جاهين. لقد أساؤوا استعمال الزاوية التي كان يرسم فيها. هذه الصحيفة اختارت رسامين من الدرجة الثالثة ولم تختر واحدا من زملائه. كان هناك بهجت وحجازي واللباد وزهدي. رجائي أيضا يئس وذهب على استراليا.

مجلة روز اليوسف سقطت في الكاريكاتير لأنها ألغت رسم الكاريكاتير من الغلاف. كانت رائدة في مذهب السخرية، مذهب إحسان عبد القدوس الذي كان رئيس تحرير وكان يقول السخرية أقوى منهم جميعا. الكاريكاتير العربي لا يؤدي دوره بسبب الرقابة والافتقاد إلى الديمقراطية.

في ظل مناخ تنعدم فيه الحرية في العالم العربي. كيف ترى إلى واقع الفن الكاريكاتيري اليوم؟

عبدلكي: لكي ندرك واقع بؤس فن الكاريكاتير العربي اليوم يكفي أن نقارن بين فناني الستينات وفناني اليوم. فنانو تلك الحقبة كانوا ببساطة أشد تنوعا من الناحية الأسلوبية، وأكثر شجاعة وجرأة من الناحية السياسية. كما أن الهوامش المتاحة لهم كانت أوسع. يسقط رسم الكاريكاتير العربي اليوم في (الستاندارد) النمطية من حيث الأسلوب والتقنية والأفكار.

إذا كان الأمر يجري على هذا المنوال، كيف يلتف الرسامون العرب على الخوف والرقابة؟

البهجوري: هناك حيلة استعملناها أثناء العصر الذهبي لروز اليوسف، بحضور رئيس تحرير شجاع اسمه إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين،اللذين كانا يمرران رسوماتنا، و"يطنشو". الفنان وصل إلى حيلة وهي أن يصنع تورية في رسومه، بحيث يفهم المتفرج ما تحت السطور، فلا يرى الرقيب ذلك.أنا فشلت في التورية.لأنني صاحب براءة ولا أعرف أن أخبئ شيئا.

ما هي الأساليب والتقنيات التي يستعملها رسامو الكاريكاتير العرب اليوم وهل يمكنها أن تجاري رسوم الكاريكاتير العالمية؟

عبدلكي: الأساليب هي أساليب المبالغة البسيطة في الخط، ومنها ما يعتمد على شيء من التبسيط والدخول في التفاصيل. وفي السنوات الأخيرة أصبحنا نرى دخول تقنيات الكومبيوتر على الرسوم. للأسف فإن أغلب رسوم الكاريكاتير العربي اليوم تلون بنفس الطرق البسيطة والبليدة، مما يدخلها أكثر فأكثر في نطاق النمطية، ويبعدها أكثر فأكثر عن النزعة الفردية الخاصة التي هي لب فن الكاريكاتير ولبّ كل فن.

ماهي أسباب غياب معارض رسوم الكاريكاتير في العالم العربي، ولماذا لا يوجد تجمع أو رابطة تضم كل رسامي الكاريكاتير العرب ؟

عبدلكي: عام ألف وتسعمائة وثمانين أقام اتحاد الصحفيين العرب أول معرض لرسامي الكاريكاتير العرب.اجتمع أثناءه العديد من رسامي الكاريكاتير العرب المعروفين وأسسوا رابطة رسامي الكاريكاتير العرب، وانتخب أحد الرسامين المعروفين رئيسا لها. لكنّ الرسامين العرب لم يروا أي فائدة ملموسة من ذلك الانتخاب. ثم انتخب بعد ذلك رسام آخر، وتكررت الحالة بحيث لم يسمع أحد لا باسم الرابطة كما أنها لم تقم بأي نشاط، ولم تقدم أي خدمات للرسامين.

وأظن أن وجود هيئة نقابية للرسامين يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة على ثلاثة مستويات: تعريف العالم بالكاريكاتير العربي، من خلال المعارض التي يمكن أن تقام له خارج البلاد العربية، كمعارض مستقلة على هامش التظاهرات العالمية الكبرى. كما يمكن لمعرض عربي متجول في العواصم العربية أن يعرّف رسامي الكاريكاتير العرب على رسامي الكاريكاتير العرب في مختلف البلدان.

الأمر الثاني:هو أن تدافع هذه الهيئة عن حقوق رسامي الكاريكاتير العرب وعن حريتهم وإلى أي مضار مهنية يتعرضون لها. ثالثا: هو أن تعرّف رسامي الكاريكاتير العرب على آخر الاتجاهات الفنية في هذا الحقل الغرافيكي من مختلف بلدان العالم وهنا لابد من القول إن هناك المئات من الرسامين والتقنيات، خاصة في أمريكا اللاتينية ولا يعرف عنها الرسامون العرب إلا القليل.

لتتبع أسلوبا معينا في رسومك فأحيانا يدخلها التعليق وأحيانا يغيب عنها.هل تحدثنا عن الأسلوب الذي تتبعه في الرسم؟

عبدلكي: يثار الكثير من اللغط حول الرسوم المرفقة بتعليق والرسوم الخالية من التعليق، وأعتقد أن هذا اللغط وهذه الضجة مفتعلان ومبالغ بهما. يمكن لرسم كاريكاتوري رائع أن يكون خاليا من التعليق، أو أن يكون ملحقا بتعليق. ويمكن لرسم كاريكاتوري سيء أن يكون خاليا أو مرفقا بتعليق، فليس ذلك ما يصنع قيمة الرسم وليس ذلك ما يجعله أكثر انتشارا في العالم.

بالنسبة لي أتعامل مع الضرورة التي تفرضها علي الفكرة، فإذا اقتضت الفكرة تعليقا فإني ألجأ إليه. وإذا لم تقتض استغنيت عنه. بالتالي ليس لدي موقف مسبق لا سلبا ولا إيجابا بالنسبة للموضوع. ما يقودني هو قوة الفكرة وإيصالها وليس أي التزامات مسبقة عليها.

ترسم انطلاقا من الأحداث اليومية المؤقتة وأحيانا تختار أحداثا تدوم طويلا.ما الذي يدفعك إلى ذلك في كلتا الحالتين؟

عبدلكي: أعمل في صحيفة يومية، والصحيفة اليومية لابد أن تتابع الأحداث يوما بيوم، وساعة بساعة.ذلك لا يمنع من تناول أحداث ذات مدى زمني طويل،لا تموت بموت الحدث .علما أن هناك الكثير من الرسوم ـ قد تكون أصعب من غيرها ـ التي تعالج حدثا سياسيا مؤقتا وجزئيا أن تمس ما هو جوهري في هذا الحدث، وتجعل وتعطي للرسم حياة طويلة، أطول بكثير من حياة الحدث ولا تموت بانتهائه، وتعطيه حياة أكثر بكثير من عمره.

لقد وسعت فن الكاريكاتير العربي ونقلته إلى مطارح جديدة لم يعتد عليها .هل تحدثنا عن ذلك؟

البهجوري: كان عندي موقع على شبكة الإنترنت اسمه عرب كوم. وقد كنت أرسم كل غمزة سياسية على طريقتي الطفولية. رسمت لوحة بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد الثورة المصرية. رسمت عبد الناصر والسادات ومحمد نجيب ومبارك ممسكين برقاب بعضهم، وكل واحد يقول للآخر أنا الذي عملت الثورة.

على الفنان أن يكون عنده وعيا مستمرا للحاضر. الأحداث تستفز الفنان. مثلا الاعتداء على مركز التجارة العالمي وقتل الآلاف، لا يمكن أن يمر من دون تعليق. لقد طبقت كل الأساليب الموجودة في الرسم على فن الكاريكاتير من أجل رفع القيمة الفنية عاليا. الاتجاهات الفنية الحديثة كلها، بما فيها التكعيبي. الخص في الرسم إلى أن تصبح العين نقطة وتنتهي كل التفاصيل الكلاسيكية.

ثمة نوع من البلاغة الكاريكاتورية. لنقل مذهب ما قل ودل. هذه الأساليب جاءت مني. أجمل جملة أفتخر بها قالها لي حسن فؤاد وهو الذي قدم كل الفنانين في الصحافة: جورج البهجوري هو المعطف الذي خرج منه كل رسامي الكاريكاتير المصري: صلاح جاهين، رجائي،ونيسي ،بهجت، حجازي،محي الدين اللباد.لقد قمت بالدور الذي يجب أن أقوم به وأنا لا أتباهى بذالك.هذا متروك للتاريخ.

يتعرض المبدعون ورسامو الكاريكاتير العرب للرقابة والمنع. ماذا عن تجربتك مع الرقابة؟

عبدلكي: عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين أصدر المسرحي المصري يعقوب صنوع أول صحيفة عربية ساخرة بعنوان "أبو نضّاره زرقه". لكنها منعت بعد العدد الثاني، واضطر صاحبها إلى اللجوء إلى فرنسا لفترة تقارب الثلاثين عاما. وقد مات في باريس دون أن يرى بلده. لكنّ صحيفته التي كانت تصدر خلال ذلك بأسماء مختلفة تسربت إلى مصر بواسطة ضباط وعناصر عرابي باشا.

يبدو أن هذه البداية المأساوية لازالت تتحكم بحياة ورسوم رسامي الكاريكاتير العرب. ولازالوا يلعبون مع الرقابة لعبة القط والفأر، فينهشون مساحة حرية صغيرة من هنا فتنهش الرقابة حريتهم أوحيا تهم من هناك، وليس القتل المأساوي للفنان ناجي العلي إلا واحدة من أسطع الصور للرقابة العربية وأشدها وحشية.

لماذا لا نجد كتبا ومطبوعات عن رسوم الكاريكاتير في العالم العربي برأيك؟

البهجوري: السبب هو غياب الناشرين. كل الفنانين يعانون من ذلك ويصدرون كتبا على نفقتهم. أنا طبعت على حسابي. صلاح جاهين أكرمته الأهرام وطبعت له بعد موته ولم يرها. حجازي نشر له بغدادي كتابين وتوقف. أهم رسام عربي ضحى بحياته من أجل فكره هو ناجي العلي لا نجد أعماله الكاملة مطبوعة.هو أفضل منا جميعا، للأسف لم يفهموه في مصر.

عبدلكي: منذ قرن تقريبا وفن الكاريكاتير العربي يعمل ويولد الرسامين، وينتشر في الصحف ووسائل الإعلام، غير أن اهتمام دور النشر العربية بكتب الكاريكاتير هو اهتمام ضعيف للغاية، وإذا أحصينا ما طبع من رسوم الكاريكاتير في كتب فلن نجد أكثر من مائة كتاب، خلال قرن، ما يعادل كتابا واحدا كل عام. بينما في أي دولة نصف متقدمة يمكن أن نرى عشرات الكتب في الموسم الواحد.

والحقيقة أن الكتاب مازال مرتبطا في الذهن العربي بالقراءة والكتابة والنص ولم يرتق إلى مصاف الفرجة ومتعة النظر. ونشر نتاجات رسامي الكاريكاتير العرب في كتب هو أمر في منتهى الأهمية. لأنه طالما أن الصحف العربية لا تغادر البلدان العربية، يمكن للكتاب أن يقوم بهذا الأمر. هناك متعة حقيقية لأي قارئ، في أن يفتح كتابا فيرى مئة أو مئة وخمسين رسما لفنان واحد، ما يمكنه من التقاط عمل الفنان، وطريقة تفكيره وتعبيره وسخريته، ومدى علاقته بمجتمعه، ومدى التحامه بقضايا العالم. مهمة كتاب الكاريكاتير مهمة مختلفة عن النشر في الصحافة اليومية،وليت الرسامين والناشرين يلتفتون إلى هذا الجانب الناقص في حياتنا الفنية نقصا فادحا.


أجرى الحوار صالح دياب، قنطرة 2004