دوامة بشار الأسد

بدأ الخوف يساور الرئيس بشار الأسد ونظام البعث بفقدان السلطة بعد صدور قرار مجلس الأمن وتقرير ميليس. وسيكون من الصعب على النظام تلبية قرار مجلس الأمن بالتعاون الكلي مع لجنة التحقيق الدولية، حسب رأي عبد المطلب الحسيني.

​​بدأ الخوف يساور الرئيس بشار الأسد ونظام البعث بفقدان السلطة بعد صدور قرار مجلس الأمن وتقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس. وسيكون من الصعب على النظام تلبية قرار مجلس الأمن بالتعاون الكلي مع لجنة التحقيق الدولية، حسب رأي عبد المطلب الحسيني.

هناك اتفاق يسود كافة المعقبين الصحفيين ما عدا العاملين منهم في أجهزة الإعلام السورية المسيرة من قبل الدولة حول دقة الوضع الذي آل إليه نظام حزب البعث الحاكم هناك. إذ لم يعد العالم العربي يتطرق كالسابق إلى ملف السياسة السورية بذلك القدر الكبير من الحذر. وأصبح النظام الحاكم في دمشق الذي كان يغذي أحاسيس الخوف سابقا يمر لأول مرة بأزمة حادة إن لم نقل بأنها تستهدف وجوده بالكامل.

أزمة تستهدف وجود الحكومة

بغض النظر عن هوية المتورطين في مقتل رفيق الحريري فإن ذلك الحدث ليس هو السبب الوحيد للأزمة التي تجتازها السياسة السورية، بل إن مصرع الحريري يشكل أحد مضاعفات تلك السياسة نفسها. وكان الرئيس بشار الأسد قد ورث عند توليه سدة الحكم قبل خمسة أعوام هياكل حكم متآكلة اتضح بأنها ذات مناعة قوية للغاية حيال الإصلاحات الديموقراطية الضرورية.

وبالتالي سرعان ما خيبت آمال المجتمع المدني السوري في تكريس ربيع سياسي في البلاد. فقد ظلت قاعدة النفوذ السياسي مقتصرة على أجهزة الأمن القديمة، الأمر الذي أفرز على نحو خاص على صعيد السياسة الخارجية تقديرات خاطئة إلى حد جسيم للمتغيرات الدولية التي نشبت نتيجة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

حتى قبل ذلك وبالتحديد في مايو/أيار2000 لم تكن سوريا قادرة على استخلاص العبر السليمة الناجمة عن انسحاب إسرائيل من لبنان. فبدلا من أن تقوم هي أيضا بسحب جيشها من لبنان عززت مراكز مراقبتها هناك والتصقت بحزب الله ليكون لها بمثابة ورقة ضغط محتملة في حالة إجراء مفاوضات مع إسرائيل حول مرتفعات الجولان.

وقد أدت هذه السياسة إلى فسخ التحالف الذي كان قائما بين سوريا وعدد من شركائها في الساحة اللبنانية ولا سيما مع الحريري. ولم تحظ هذه السياسة لا على موافقة الأمم المتحدة ولا فرنسا التي كانت حتى العام المنصرم الصديق الغربي الوحيد لسوريا. ويومها كان اهتمام المجتمع الدولي منصبا بصورة خاصة على إنهاء التوتر العسكري على امتداد الحدود الإسرائيلية اللبنانية واستعادة لبنان لسيادته الوطنية.

غض النظر عن إرادة اللبنانيين

تعامل النظام السوري مع أخطار احتمال فقدان نفوذه في لبنان بالأساليب القديمة المعهودة لديه. فقامت دمشق بتمديد عهد الرئيس اللبناني اميل لحود غاضة النظر عن إرادة أغلبية اللبنانيين وبالاعتماد في هذا الصد على أجهزتها الأمنية.

وقد نتج عن ذلك مباشرة صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان وبنزع السلاح من حزب الله. وحدث في هذا الصدد تقارب بين مواقف فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، مما شكل وضعا خطيرا بالنسبة لسوريا، حيث أصبحت ترزح منذ ذلك الحين تحت وطأة العزلة التامة.

وهنا نشأت المعارضة اللبنانية المناوئة لسوريا وأصبحت تتمتع بدعم دولي واسع. وقد تم في ظل هذه المعطيات اغتيال الحريري الذي أدى في آخر المطاف إلى حدث لم يكن المرء يتصوره حتى ذلك الحين، أي انسحاب القوات السورية من لبنان.

بذلك لا يكون النظام السوري قد فقد نفوذه في لبنان فحسب بل حامت حوله أيضا في هذه الأثناء الشبهة بالتورط وراء مصرع رئيس الوزراء اللبناني السابق. لهذا فإن الأمر تطلب وما زال يتطلب من الرئيس الأسد التعاون مع رئيس المحققين ديتليف ميليس تجاوبا مع إرادة مجلس الأمن الدولي.

ولكن هذا المطلب يبدو صعب التنفيذ، حيث أنه من الصعب علينا أن نتصور قيام سوريا بتسليم كبار المسؤولين في الدوائر الأمنية نظرا لأنهم حكام البلاد الحقيقيون. فلو قام الأسد بذلك فإن الأمر سيكون بمثابة عمل انتحاري من الناحية السياسية.

ثمن البقاء السياسي

ما زال النظام مستقرا على المستوى الداخلي، لكن ليس بوسعه التخلي عن وسائل التنفير. ولدى الحكام السوريين مخاوف عميقة حيال ظهور حركات احتجاج في الداخل على منوال الوقائع التي حدثت في لبنان. ولا يغير من ذلك على الإطلاق ملامح الضعف الذي ترزح المعارضة السورية آنيا تحت وطأتها.

فالمسؤولون السوريون لا يملكون أية وسائل قادرة على مواجهة هذه الأوضاع في حالة اندلاعها. لهذا السبب فقد صدرت عن دمشق مؤخرا مؤشرات مناقضة لبعضها. فقد شجبت سوريا من جانب التقرير الصادر عن الأمم المتحدة حول اغتيال الحريري بحجة أنه يتضمن "محض أكاذيب"، لكنها أبدت من جانب آخر استعدادها للتعاون مع ميليس.

ويبدو أن الرئيس الأسد أصبح في وضع يجبره على دفع ثمن غال لقاء الحفاظ على بقائه في الحكم. حيث أن الولايات المتحدة فرضت عليه مطالب ثلاثة. أولها إغلاق حدود سوريا مع العراق في وجه العناصر الإرهابية التي ترفع الجهاد شعارا لها.

ثاني هذه المطالب يتضمن وقف دعم سوريا للمنظمات الفلسطينية الراديكالية. وثالث هذه المطالب يتضمن التعاون بغرض كشف النقاب عن مقتل الحريري. ويبدو أن النظام السوري على استعداد لتلبية المطلبين الأولين.

أما المطلب الثالث فإنه صعب التنفيذ وفقا للمنطق الذي يدين به النظام، إذ أن التجاوب مع هذا المطلب سيكون كفيلا بتقويض القاعدة التي بني حكم الأسد عليها. هذا يعني بالتالي بأن الآفاق المستقبلية لنظام البعث في سوريا ليست طيبة على الإطلاق.

بقلم عبد المطلب الحسيني
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
صدر المقال في صحيفة فرانكفورتر روندشاو

عبد المطلب الحسيني صحفي لبناني الأصل مقيم في ألمانيا.

قنطرة

"عقد صفقة والحفاظ على نظام الحكم
العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد عن بعض المعتقلين السياسيين بمناسبة حلول عيد الفطر، هل هي مبادرة لكسب الوقت في وقت يبدو أن الديبلوماسية السورية وصلت إلى طريق مسدود؟ حوار مع نديم شحادة، الباحث في المعهد الملكي للعلاقات الخارجية في لندن.

تدخل في الشؤون الداخلية أم تحقيقات حيادية؟
قدم ديتليف ميليس تقريره النهائي عن نتائج تحريات مقتل الحريري إلى كوفي أنان في 21 تشرين الأول/أكتوبر. ولم يسبق أنْ نجح تحقيقٌ في أيّ من عمليات الإغتيال الكبرى في لبنان. فهل سينجح هذه المرة؟ تقرير برنهارد هيلنكامب من بيروت عن التوقعات والمخاوف