"نعم لحرية الرأي المطلقة، لا لجرح كرامة الإنسان"

يدعو د. محمد كالش، وهو بروفيسور في "الدين الإسلامي" يعمل في "مركز الدراسات الدينية" الى حرية التعبير المطلقة في ما يتعلق بالخلاف حول الرسوم الكاريكاتيرية. لكن لا ينبغي لذلك، كما يقول، أن يجرح كرامة الإنسان.

حين يعلم المرء أن رسم صورة لشخص النبي يؤذي شعور المسلمين يتوجب على من يقوم بتوجيه نقد للإسلام ويرغب في حوار صريح مع المسلمين حول آرائه النقدية أن يسأل نفسه عما إذا كان من الممكن أن يعبر عن نقده اللاذع بأسلوب يساعده على تحقيق هدفه ولا يؤذي به شعور الطرف الآخر؛ وهذه مسألة تتعلق بآداب السلوك والأسلوب.

ولكن على الرغم من هذا لا بد أن نؤكد على أن الصراعات التي تظهر جرّاء النقد لا يمكن ولا يجوز التغلب عليها بقانون العقوبات. لا بد من وجود حرية مطلقة في مجالي حرية التعبير عن الرأي وحرية البحث العلمي من ناحية والدين من ناحية أخرى حتى لو كان ذلك على حساب الشعور الديني. إن أي محاولة لتقييد ذلك لا تتفق في جوهرها مع قواعد الحرية، وقد أثبتت جميع التجارب التاريخية أن مثل هذه المحاولات لم تأت أكلها.

حوار بلا قيود

ومع كل ذلك فهناك حدود لتلك الحريات لا تمت لتبعية الأشخاص الدينية بصلة ولكنها تمس كرامتهم. فإذا وصفت الصور الكاريكاتورية أو الآراء الشخصية أنصار جماعة دينية وصفا عاما بلا فرق ولا تمييز بصفات سيئة مثل الكذب والإنحراف والغش والتعطش للقتل - سواء أكانت يهودية أم مسيحية أم مسلمة أم هندوسية أم بهائية - فإن ذلك يعتبر بلا شك إهانة لكرامة الفرد وصورة من صور التحريض على المعاداة. أما إذا وصفت الديانة بالتعطش للقتل والتخلف والديكتاتورية فإن على الفرد أن يتقبل ذلك حتى لو كان من سبيل السخافة والعبث.

من واجب المحاكم وحدها أن تحكم على جوهر الدين، ومن الممكن أن يخضع البحث العلمي الحر نفسه للرقابة خشية تشويه صورة إحدى الديانات. وعلى العكس من ذلك فلا ينبغي اتهام الفرد أو نعته بالإجرام تلقائيا لتبعيته الدينية. هنا يجب على الحكومة بالفعل أن تتدخل بجدية.

د. محمد كالش أستاذ في حقل "الدين الإسلامي" ويعمل في "مركز الدراسات الدينية" في جامعة منستر
إن الجدل حول الإسلام أو أي ديانة أخرى لا بد وأن يجري بلا قيود وأن يكون قائما على الحجج والبراهين. ففي مثل هذه المناقشات نجد أن المزاعم التي لا أساس لها ينكشف أمرها بسرعة، كما أن حرية التعبير عن الرأي وحرية البحث العلمي لا تمكن المحرضين ومثيري الفتنة من الغلبة.

إننا نجد الكثير من السخافات غير المحايدة عن الإسلام من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أيضا وجهات نظر دفاعية ومتنوعة لحد كبير. إنني على قناعة تامة بأن المجتمع الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي وحرية البحث العلمي سوف تظهر فيه دائما صور متنوعة للديانة خلال المناقشات العامة وأن وجهات النظر غير المحايدة سوف تُقابل دائما بالنقد الشديد.

مما لا شك فيه أن هناك تصورات عن الإسلام يختار الكتّاب وقائعها غير المحايدة عن عمد، ويشوهون الأمور بغرض التحريض. وإلى جانب ذلك توجد أيضا تصورات عن الإسلام لا يقبلها المسلم ولا يقصد الكاتب من ورائها التحريض.

ولعدم إمكانية البتّ في الحالتين قضائيا، فلا بد أن تتحمل حرية التعبير عن الرأي وحرية البحث العلمي تلك الإنتهاكات، مما يعني أن على أنصار كل ديانة أن يتقبلوا النقد اللاذع الذي يوجه إلى ديانتهم.

إن الإسلام قد يُوصف بأنه دين عنف وإرهاب – وهو غير ذلك -، ومع ذلك فيجب أن يُقبل مثل هذا الإدعاء بناء على ما ذكر من الأسباب السابقة التي تتعلق بحرية التعبير عن الرأي. أما على مستوى الفرد أو المجموعة فلا بد من حماية كرامتهم قانونيا، ولا يسمح بوصفهم بالاجرام أو الكذب لتبعيتهم لديانة معينة.

موقف غير منطقي

كما أنه لا بد من اعتبار سلوك أي شخص أو مجموعة بعينها مطابقا للقانون طالما لا يوجد دليل قطعي على انتهاك مخالفات قانونية. وهذه هي أساسيات الديمقراطية والدولة الدستورية وحقوق الإنسان والتعددية. إن من يعتقد بالفعل أن جميع المسلمين واليهود أو الملحدين مجرمون لا ينبغي عليه أن يستشهد بحرية التعبير عن الرأي، لأنه لا يقبل القاعدة التي تقوم عليها حرية التعبير عن الرأي. والقاعدة التي تقوم عليها حرية التعبير عن الرأي هي احترام كرامة الإنسان والاعتقاد بأن الجرم فردي وليس جماعيا. وعليه فمن السُخف أن نوجه الإتهام العام لجماعة معينة بالسلوك الفاسد والمخالف للقانون.

إن نظرة الفرد التي تقوم عليها حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية لا تتهم فردا بعينه ولا مجموعة بعينها اتهاما عاما بسوء النية أو سوء السلوك، وترى بعدم منطقية النظرة القائلة بأن كل المنتمين إلى جماعة عرقية أو ديانة معينة أشرار.

​​وهنا تكمن المشكلة الحقيقية من وجهة نظري، فالوضع لا يتعلق بنقد الإسلام بعد، لأن هذا من المسلّمات كما سبق ذكره. المشكلة تكمن في أنه غالبا ما يُنظر إلينا نحن المسلمين على أننا جماعة واحدة توصف بالسوء بلا استثناء ولا تمييز. فقد صار يُنظر الى الإسلام وإلينا نحن المسلمين نظرة عدوانية بأساليب تحريضية.

لم يعد هناك تمييز، وأصبحت المجموعة الصغيرة التي تمارس العنف تقارن بالجماعة الدينية بأكملها. لذلك ينبغي علينا أن ننكر الإرهاب والعنف دائما، وإلا فسنتهم – إن لم يكن ذلك من المفترض مبدئيا - بأننا راضون عنه ونقره. هناك إتهام عام موجه ضد المسلمين، وللأسف بموافقة رجال السياسة في هذا البلد، مثل تطبيق "اختبار ولاء المسلمين" في ولاية بادن فرتمبرغ. هناك جدل سخيف – من وجهة نظري الشخصية - حول حجاب المرأة أدى إلى إبعاد المسلمات المتحررات عن ممارسة الحياة العملية.

تفاوت في التعامل مع الأديان!

إن الأحزاب المحافظة توضح بلا غموض من خلال سياستها أنها تتفاوت في معاملاتها مع الأديان، مما يتعارض مع الدستور من وجهة نظري الشخصية، على الرغم من كثرة الكلام في الأيام الأخيرة عن الجذور اليهودية المسيحية في بلاد الغرب.

ومن العجيب أن هناك تفاهما بين المسلمين واليهود، بغض النظر عن المشكلة الفلسطينية التي تعتبر مشكلة سياسية. ولكنه ليس من الطبيعي أن ينسجم المسيحيون مع اليهود ولا ينسجمون مع المسلمين على الرغم من أن اليهود والمسلمين أكثر قربا لبعض من الناحية الدينية مقارنة باليهود والمسيحيين، وهذا ما يتضح دائما من خلال اللقاءات بين الأديان الثلاثة.

محمد كالش
© محمد كالش 2006
ترجمة عبد اللطيف شعيب

هذا النص المنشور مقتبس من تصريح للبروفيسور د. محمد كالش بمناسبة الصراعات الدائرة حول الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد.

قنطرة

أين أصحاب الفكر المتزن؟
حينما نشرت إحدى الجرائد الدانمركية قبل شهور رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد لم يكن أحد يتوقع لها أن تثير مثل هذه الضجة العارمة التي تجتاح الآن العالم الإسلامي كله. فقد اعتبرها المسلمون المتشددون إهانة مقصودة فيما تشبث الغربيون بفكرة حرية الصحافة. أيمن مزيك أيمن مزيك يلقي الضوء على الحقائق الكامنة وراء هذا التصعيد.

ردود الفعل الكاريكاتوريّة على الرّسوم الكاريكاتوريّة
من يسيء حقّا إلى الإسلام الذي يعتنقه منذ خمسة عشر قرنا آلاف الملايين من البشر: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي.

الحق في انتهاك المقدس؟
"نعم لنا الحق في رسم الله كاريكاتيريا" كان هذا عنوان مقالة نشرت في صحيفة "فرانس سوار" الفرنسية، وهي إحدى الصحف الأوروبية الأولى التي حذت حذو الدنماركيين فطبعت بعض الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد. ومع ذلك فان مثل هذا الحق لم يتم الحصول عليه الا قبل فترة قصيرة. فقد اتخذت الإستفزازات الدينية في الغرب ـ التجديفات المسيحية خاصة ـ بعدا جديدا وحادا في القرن العشرين بالذات. تقرير أن-كاترين غيسلاين