عزوز بقاق كاتب وباحث ووزير

يعكس عزوز بقاق في أفلامه ورواياته لوحات من حياته الخاصة ويهدف إلى حث المهاجرين على العمل الجاد في المجتمع. عزوز بقاق حقق نجاحاً باهراً في حياته العملية كوزير وباحث وروائي. تقرير برنارد شميد

"لم أكن أسمح لنفسي بمجرد التفكير بذلك: أن أسير كوزير على الشانزيليزيه في الوقت الذي يعرض به فيلمي"، هذا ما ما قاله عزوز بقاق في الاسبوع الأول من شهر تموز/يوليو في مقابلة مع الاذاعة الفرنسية.

ان عزوز بقاق، الذي يبلغ من العمر 47 عاما، ابن لمهاجرين جزائريين، أميين، هذا ما يقوله هو عنهما باستمرار، قدموا الى فرنسا واستقروا في مدينة ليون الصناعية، هربا من فاقة العيش في الريف الجزائري. ويستغرب عزوز بنفسه من النجاح الباهر الذي حققه مؤخرا في حياته العملية.

وقبل ذلك بفترة قصيرة، وتحديداً في 29 حزيران/يونيو من هذا العام، كان فيلمه "خيام في المزرعة" يعرض في دور السينما في باريس. كتب سيناريو الفيلم عزوز بقاق نفسه وقام باخراجه جون بيير سنابي، وقام بدور البطولة فيه رشدي زيم.

ويمنح الفيلم الشيق، الذي يبلغ طوله ساعة ونصف، المشاهدين فرصة مراقبة ستة شباب يقيمون في أطراف مدينة فرنسية كبيرة، أثناء أدائهم عقوبة عمل اجتماعي قسري لمدة شهر في احدى القرى، حيث كان عليهم الاختيار بين السجن أو القيام بتأدية هذا العمل.

قصة الفيلم

ولا يقدم الفيلم هؤلاء الشباب على أنهم ملائكة، فهو يبين كيف يقوم أحدهم أثناء تأديته العمل الاجتماعي، بمحاولة سرقة النقود.

وينتقد الفيلم أيضا مجتمع الأكثرية الفرنسي. في البداية تظهر عمدة بلدية القرية متحمسة لتجربتها الجديدة، أي العمل الاجتماعي العام الذي تفتخر به في القرية. ولكن تتضح خلال الفيلم نواياها الحقيقية من وراء ذلك، إذ أنها أنانية تريد فقط تحقيق النجاح والظهور في التلفزيون بأي شكل من الاشكال.

أما هؤلاء العنصريون في القرية، الذين لا يريدون رؤية "الغرباء"، فهم أيضاً يأخذون نصيبهم من التعرية لمواقفهم. بطل الفيلم بلا منازع هو المربي من أصول مهاجرة (رشدي زيم). زير نساء قصير القامة، قام أثناء شبابه، حسب قوله، ببعض "الحماقات"، إلا انه وبفضل الدراسة والعمل والجدية في الحياة اليومية أصبح انسانا يكن له الآخرون كل الاحترام. ولا شك أن عزوز بقاق يصور هنا نفسه أيضا.

سيرة بقاق الذاتية

ولد عزوز بقاق في عام 1957 بفيلوربان أحد الاحياء الشعبية الفقيرة بضواحي مدينة ليون على ضفاف نهر رون، ببيت من صفيح خصص للمهاجرين من الطبقة العاملة في تلك الايام.

وقد عالج مرحلة الطفولة التي قضاها هناك في روايته الاولى "طفل الشعبة" أو طفل بيدونفيل، التي نشرت عام 1986 وصورت كفيلم بعد حوالي عشر سنوات على نشرها. وبالرغم من أن الوالد لم يكن يجيد الكتابة والقراءة، الا أنه كان دوماً يحث ابنه منذ الصغر على المثابرة في المدرسة، لانه كان على قناعة بأن المدرسة الفرنسية هي سر النجاح والرقي الاجتماعي.

ولقد تمكن بقاق فعلا من تحقيق النجاح. فلقد حاز على شهادة الدكتوراة في العلوم الاقتصادية وأصبح باحثا في مركز العلوم الفرنسي CNRS في مجال الاقتصاد الاجتماعي المدني ومدرسا جامعيا. وكان بقاق يركز في رواياته وأبحاثه بشكل أساسي على المسائل التي لها علاقة بتاريخه الشخصي: مسألة التعبئة الاجتماعية لدى المهاجرين.

إقتراحات للعائلات المهاجرة

الحصول على العلم والثقافة والمغادرة السريعة "للغيتو الاجتماعي" في الأحياء الفقيرة بضواحي المدن: هذه هي الوصفة الناجحة التي يقدمها بقاق باستمرار للشباب وللعائلات المهاجرة.

وفي هذا المضمار قام عزوز بقاق في مطلع عام 2004 بانجاز وتقديم تقرير حول أوضاع المهاجرين بتكليف من وزير الداخلية الفرنسي السابق ورئيس الوزراء الحالي دومينيك دي فيليبان، نصح فيه بالسماح لابناء العائلات المهاجرة العمل في الوظائف الحكومية كالشرطة وغيرها من المهن العليا.

ولقد لاقت اقتراحاته قبولاً الى درجة أن فيليبان عينه "وزير دعم تساوي الفرص" عندما استبدلت الحكومة الفرنسية. وليس صدفة أن يوافق عزوز بقاق على تعيينه وزيرا في حكومة اليمين الليبرالي المحافظ.

فلقد عانى المهاجرون من خيبة أمل كبيرة جدا، التي دامت لاكثر من عشر سنوات في ظل حكومة اليسار التي كانت تحكم البلاد منذ 1981 والتي كانت تقدم لهم الوعود الفارغة. وكان من ضمن ناخبيها "الطبيعيين" هؤلاء الفرنسيون من أصول مهجرية، وذلك بسبب انتمائاتهم الاجتماعية.

ووصلت خيبة الأمل هذه الى حد أن الاحزاب اليسارية الحاكمة خسرت الى حد بعيد علاقاتها بشكل خاص مع المثقفين والمتعلمين وكذلك من الطموحين (حتى سياسيا) بتحقيق نجاحات في السلم الاجتماعي من أبناء المهاجرين.

سياسة الحكومة الفرنسية

هذا ناهيك عن أن الحكومة في ظل جاك شيراك تراعي آلام الشعب الفلسطيني لفظيا على الأقل، أكثر من الحكومة الاشتراكية السابقة في ظل ليونيل جوسبان، التي كانت منحازة الى اسرائيل. هذه الحقيقة الرمزية قربت الكثيرين من أبناء العائلات المهاجرة الى اليمين المحافظ.

أما فيما يتعلق في مسألة "دعم المساواة" فعلى عزوز بقاق أن يكون مهيأ لبعض الخلافات في وجهات النظر ضمن الحكومة الجديدة. فوزير الداخلية نيكولاس ساركوزي ممن يمثلون الرأي بضرورة الجمع ما بين سياسة القمع العنيف في ضواحي المدن الفقيرة من جهة، ودعم النخبة المثقفة والمتعلمة من العائلات المهاجرة من خلال وضع نسبة ثابتة (باسم "العنصرية الايجابية") من جهة أخرى.

ويرفض بقاق من جانبه هذا الخلط، لأن مثل هذه العملية تغرق هؤلاء المعنيين بصراع مع مسألة الهوية وتهدد بنفس الوقت بتشكيك هؤلاء بقدراتهم واعتبار نجاحهم يعود فقط الى موضوع النسبة المفروضة.

فبدل معاملة التلميذ "كمسلم"، كما يقترح ساركوزي، وهو بالمناسبة ممن يشككون بشدة في العلمانية التقليدية للجمهورية الفرنسية، فإن بقاق يرى بضرورة مراعاة قدرات وكفاءات هؤلاء المتخرجين من التلاميذ والطلبة والاعتراف بذلك. وبالطبع فإنه يرى ايضا ضرورة إزالة العقبات من طريقهم التي تعود الى خلفية عنصرية.

وقد عارض بقاق سياسة وزير الداخلية الحالي التعسفية بتحفظ ولكن بعبارات صريحة. ففي مقابلة اذاعية علق بقاق على ما قاله وزير الداخلية الفرنسي الحالي مؤخرا بأنه يريد تنظيف أحد الاحياء الفقيرة في ضواحي باريس "بمنظفات الضغط العالي" ممن لا يلتزمون بالقانون ومن المهاجرين بشكل غير شرعي، قائلا بأن عبارة "تنظيف" ليست من ضمن المصطلحات التي يستخدمها مع الناس: "يمكن لي أن أنظف حذائي أو أجرة الورود".

ويوجه النقد المبطن في الفيلم لوزير القانون والنظام بطريقة أخرى: فتقول عمدة البلدية التي تظهر بالفيلم "أجل ولكن ألا تعلمون بأن هناك فاشيون في كل مكان".

وهؤلاء ينضوون ضمن العنصريين في القرى، ويكفيهم تعليق صورة لنيكولاس ساركوزي في دار البلدية. ولم يكن بقاق يعرف بأنه سوف يجلس يوما ما مع هذا الرجل على طاولة واحدة في اجتماعات الحكومة، بينما يعرض الفيلم في الخارج.

بقلم برنارد شميد
ترجمة مصطفى السليمان
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

المسلمون في فرنسا
بعد مرور مائة عام على على التوقيع على قانون الفصل بين الدين والدولة وبعد مرور نصف قرن على الهجرة المكثفة من شمال أفريقيا لم تتمكن فرنسا بالفعل من دمج مواطنيها المسلمين. تقرير يورغن ريته

الإسلام يتحدى الجمهورية
تواجه فرنسا العلمانية تحديا من خلال انتماء حوالي عُشر سكانها الى الإسلام الذي يثير مخاوف العلمانيين والقوميين الفرنسيين. فما هي خلفيات هذا التحدي؟ وكيف تواجهه فرنسا العلمانية؟ تقرير كرستيان مولر