انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة

هل يمكننا أن نفسر الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وممارساتها في المناطق الفلسطينية بظاهرة العداء للسامية؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الفيلسوف البريطاني بريان كلوغ والمؤرخ الإسرائيلي روبرت فيستريش.

عزيزي روبرت

​​شاهدت مؤخرا عرضا مسرحيا مستوحى من التصوير المثير الذي يقدمه الكاتب الإسرائيلي بريمو ليفي عن تجربته في أوشفيتز بعنوان "إن كان هذا رجلا"، وقد بدا لي كما لو أنني كنت أستمع إلى روح من أرواح "بيت الأموات" (وهي عبارته الخاصة).

وأنا أكتب هذه الرسالة أشعر بنفسي مغمورا بالكآبة. لقد كان هناك أمل يحلق في الفضاء في تلك الفترة التي كانت فيها دولة إسرائيل في طور الميلاد من رماد الإبادة (Schoah). الدولة الجديدة تمنح الناجين ملجأ جديدا، وعلاوة على ذلك كانت الصهيونية تعد يهود العالم كله بأمرين: عودة الوضع الطبيعي، و"نهاية معاداة السامية"(تيودور هرتزل).

لكن وبعد خمسين سنة من هذا التاريخ ما تزال دولة إسرائيل أبعد ما تكون عن بلوغ الوضع الطبيعي وعن نهاية معاداة السامية. بل على العكس من ذلك، تجد إسرائيل نفسها اليوم هدفا لما يسميه بعض المراقبين بمعاداة سامية جديدة.

بالنسبة لي لا تمثل معاداة الصهيونية بالضرورة معاداة للساميّة. ما نفتقر إليه هو توضيح متى وعلى أي نحو يكون هناك موقف معاد للسامية. إن هذا الأمر يثير البلبلة في عقول العديد من أصحاب النوايا السليمة في أوروبا وأميركا.

إذ غالبا ما لا يجد هؤلاء الثقة في أنفسهم، ويتساءلون إن هم ليسوا معادين للسامية إذا ما انتقدوا إسرائيل أو ناهضوا سياستها أو وضعوا الصهيونية موضع الشك. كيف انتهينا إلى هذا الوضع؟

يعود هذا الاضطراب في نظري إلى ثلاثة أصناف من العدائية التي تتراكب على أرض الممارسة الواقعية:

أولها أن السياسة الإسرائيلية وكذلك سلوك دولة إسرائيل يثيران سخطا تجاه دولة إسرائيل والشعب اليهودي. وأعني هنا بصفة أخص المعاملة المميزة التي يحظى بها المواطنون اليهود، والاحتلال العنيف للضفة الغربية وقطاع عزة، وكذلك توسع المستوطنات اليهودية.

لكن الأسوأ من ذلك بكثير هو التالي: لقد اتضح أن الأمل في عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي كان مجرد مغالطة. ذلك أن الصهيونية كانت تتميز بطابع الازدواجية.

فمن ناحية كانت ترى نفسها حركة وطنية تهدف إلى ضمان حق تقرير المصير لشعب ملاحق. ومن هذا المنظور كانت الصهيونية مرادفا للتحرر من أوروبا.

ومن الناحية الثانية بدت الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط كتدخل وغزو أوروبي لشطر مهم من العالم العربي والإسلامي. ولم يكن القادمون من المستوطنين اليهود في أعين الكثيرين من العرب سوى أوروبيين بأسماء مختلفة لا غير.

بعبارة أخرى: يتم رؤية إسرائيل كعنصر دخيل وكرأس حربة لأوروبا لا علاقة تربطها ببقية المنطقة، محاطة بالرعاية وسط أجواء من الحنق والسخط.

إن النظر إلى إسرائيل من هذه الزاوية موقف تبسيطي، كي نستعمل عبارة معتدلة. لكن هذا الموقف ليس معاداة للسامية، بل هو موقف مناهض للغرب.

وهناك أخيرا أفكار مسبقة معادية لليهود –بعضها خطيرة- تمثل صنفا إضافيا من العدائية، ولا يحق لنا أن نستهين بحجمها. لكن متى تتحول المقاومة التي تواجه إسرائيل إلى صراع معاد للسامية؟

مع مودتي
بريان كلوغ

عزيزي بريان

​​أتفق معك على أنه لا يمكن اعتبار كل نقد لسياسة الحكومة الإسرائيلية وللسلوك الإسرائيلي تعبيرا عن معاداة لليهود. لكن أين يقع الخط الفاصل؟

الأمر الحاسم بالنسبة لي هو إن كان "نقد" الصهيونية يهدف إلى تدمير دولة إسرائيل دون أن ينادي في الوقت نفسه باضمحلال بقية دول الشرق الأوسط. كما أنني سأتناول بالفحص أيضا إذا ما كان الناقد منخرطا في موقف الثلب المنظم ضد إسرائيل وتشنيع إسرائيل.

هل ينهل من الصور النمطية التقليدية لمعاداة السامية فيما هو يستدعي مثلا فكرة "المؤامرة" اليهودية الصهيونية المزعومة من أجل السيطرة الكونية؟

أو يستدعي مقولة "اللوبي اليهودي" ذي السلطة اللامتناهية، الذي يقف حائلا دون تحقيق العدالة في الشرق الأوسط؟

عندما يجعل الناقد "المناهض للصهيونية" اليهود مسؤولين عن الفوضى والاضطرابات التي تسود العالم فهو معاد للسامية دون ريب. وعندما يضفي طابع الإجرامية على سلوكات إسرائيل بإحالة تلك السلوكات دون مبرر على"رموز النازية"، أو يدمغها بسمة الـ"عنصرية" في الجوهر، فإننا نكون إزاء حالة معاداة للسامية بلا أدنى شك.

لكنني أضع واحدة من افتراضاتك موضع سؤال. هل إسرائيل حقا كائن "دخيل" أو "رأس حربة الغرب" في الشرق الأوسط؟

إنك تعترف بأنها رؤية تبسيطية، لكن دون أن تحدد سبب ذلك. إنني أعتقد ما يلي: لا مجال لمقارنة اليهود العائدين إلى أرض إسرائيل بالمستوطنين الأوروبيين في قارات أخرى. فهؤلاء يمثلون شعبا من السكان الأصليين الذين عادوا إلى وطنهم التاريخي الذي يمثل منبع هويتهم الوطنية.

لقد ظلت العلاقة الروحية والجسدية التي تربط اليهود بصهيون قائمة بصفة غير منقطعة، وكانت موجودة على مدى مئات من السنين قبل ظهور الغزاة المسلمين في الصحراء العربية.

وإضافة إلى ذلك فإن ما يفوق نصف سكان إسرائيل ليسوا "أوروبيين" بالمرة. لقد ساهمت التيارات القومية العربية الاستبدادية والتعصب الديني وضغوطات الإجلاء الاستعماري في اجتثاث اليهود من بلدان الشرق الأدنى العربي.

قبل ستين سنة كان هناك أكثر من مليون يهوديا يقيمون داخل البلدان العربية. وإن هجرتهم لوحدها تفضح الكثير. وقد استوعبتهم دولة إسرائيل وضمنت لهم الحماية والعزة والكرامة والحرية، كما فعلت مع اليهود الناجين من الهولوكوست.

بينما ترك العرب إخوانهم الفلسطينيين يتعفنون داخل مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وظلوا عوضا عن مساعدتهم يغذونهم بالأوهام الانتقامية حول "حق العودة" الذي لا تنازل عنه إلى أرض إسرائيل.

وإذا ما كان لا بد من حل لمأساة الشرق الأوسط، فإن هذه المخيمات-منابت الإرهاب وثقافة الحقد- هي التي ينبغي أن تدمر وليس الدولة اليهودية موفقة اليانعة.

مع مودتي
روبرت فيسترش

عزيزي روبرت

دعني أوضح لك لماذا أعتبر المقولة التي ترى في إسرائيل "دخيلا" و"رأس حربة الغرب" في الشرق الأوسط "تبسيطية".

إن هذه الرؤية أحادية الجانب في نظري: هكذا ترى وجهة النظر العربية الدولة اليهودية. وفي الوقت نفسه فإن وجهة النظر التي ترى أن اليهود هم "الشعب الأصلي الذي يعود إلى أرض وطنه التاريخية" هي أيضا على نفس المستوى من أحادية الجانب: إنها زاوية نظر يهودية.

(ولكي نكون أكثر دقة، إنها رواية وجهة النظر الصهيونية). كلا الطرفين ينحيان إذن إلى تبسيط الأشياء. وطالما ظل الطرفان لا يدركان أن هناك "صدام إدراكات" مختلفة فسيظلان غير قادرين على إجراء تغيير جوهري على رؤاهم.

علاوة على ذلك فإن الروايات من الجانبين تتميز بالتحيز. تقول في رسالتك إن هجرة اليهود من البلدان العربية "تفضح الكثير"، وتندد بالحكومات العربية كمسؤولة عن آلام الفلسطينيين.

لكن هناك أيضا رواية أخرى تحمّل دولة إسرائيل والصهيونية مسؤولية الأمرين المذكورين. بوسعي أن أتصور واحدا من "الطرف المقابل" يتفق معك في مقولة أن هجرة اليهود "تفشي الكثير"- لكنه سيعني بذلك عكس ما تعنيه أنت تماما.

كلا الطرفين يعتمدان لعبة القذف بالمسؤولية على الطرف المقابل. لا غرو في ذلك! إذ حيثما يكون هناك نزاع بين الأمم، يكون من حق كل طرف أن يعمل ما في وسعه من أجل الذود عن قضيّته.

لكن يمكن للمرء أن يكون متحيزا دون أن يكون عنصريا أو معاد للسامية بالضرورة. إن هذا يحيلنا من جديد على سؤالنا: متى تكون معارضة إسرائيل أو حكومتها معاداة للسامية؟

إنك تقترح عدة أشكال لوضع الحد الفاصل. أكيد أنه غالبا ما يقذف المنتقدون دولة إسرائيل بتهم غير عادلة ويشوهون الحكومة أو يقدمونها في صورة إجرامية. كل هذا تحيز ليس في ذلك من شك. لكن هل هذا بالضرورة معاداة للساميّة؟ كلا، إنه ليس كذلك.

إن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي صراع مأساوي ومرير. نقاط الخلاف معقدة، والانفعالات متأججة وآلام كلي الشعبين جسيمة. في مثل هذه الأوضاع لا يسع الطرفين إلا أن يكونا متحيّزين.

لكن متى يكون هذا التحيّز معاد للساميّة؟ إنني أتفق مع ما قلته عن "الصور النمطية التقليدية لمعاداة السامية " وألخص الأمر كما يلي: إن اليهود كما يراهم المعادي للسامية أناس غريبو الطبع، ذوي نفوذ، منغلقون وماكرون وطفيليون.

وستكون مناهضة دولة إسرائيل أو حكومتها معاداة للسامية عندما تستعمل فيها هذه التنويعة أو تلك من سجل هذه النعوت المتصوَّرة- وكذلك يكون النقد الموجه للعرب عنصريا عندما يكون محددا بمقاييس الصورة التي تجعل من العرب جنسا من البشر محتالين وكذابين ومنحطين، أو إرهابيين مشحونين بالأحقاد لا تمثل الحياة البشرية أية قيمة لديهم.

لكن ما الذي يمكن أن نفعله كي يُبعَد هذا التعصب- معاداة السامية على الأخص- ويحيّد من النقاش حول الشرق الأوسط؟

مع مودتي
بريان كلوغ

عزيزي بريان

إن تاريخ معاداة السامية يعلمنا، حسب رأيي، أن هناك سلسلة متصلة من المسبقات تمضي من التمييز الاجتماعي الذي يمارس ضد اليهود ووصولا إلى الغيتو وأشكال متنوعة من الاعتداءات العنيفة بلغت أوجها مع الهولوكوست.

لذلك يتحتم علينا أن نحذر من التعامل مع التشويه المنظم لدولة إسرائيل بصفة لينة؛ كمجرد تحيّز لا غير. هذا الموقف المناهض لإسرائيل غالبا ما يصور الصهيونية كعنصر تأثير فاسد أو "غريب" في الشرق الأوسط؛ كإيديولوجيا عنصرية وفاشية، بل وحتى "ذات نزوعات نازية".

وفي أغلب الحالات تستند مثل هذه المعاداة للصهيونية على رؤية تحقيرية لليهودية واليهود ومجمل الوجود اليهودي.

وبصرف النظر عن المصدر الذي تتأتى منه هذه الرؤيا فهي متأثرة بصفة واضحة بنماذج التفكير المعادي للسامية التي تذكرها؛ أي تلك التي ترى اليهود كشنيعين ومنافقين ومتآمرين.

والحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله والقاعدة تنظر إلى النزاع الفلسطيني من خلال المنظار المحرِّف لنظريات المقولة التآمرية هذه المعادية للسامية التي يُصقل داخلها الاعتقاد بأن "الصليبين" و"الصهيونيين" يسعون عن قصد وروية إلى استعمار المسلمين واستعبادهم وإذلالهم.

كما أن الرؤية العامة لدعاة الجهاد تنظر إلى تدمير إسرائيل كجزء من الصراع الشامل الذي يواجه بين المسلمين و"الكفار"؛ لا يمكن أن يكون هناك سلام مع اليهود، بل الحرب والجهاد ولا شيء غيرهما.

لا غرابة إذن أن يستند هذا النوع من المعاداة للسامية إلى "بروتوكولات حكماء صهيون" التي تمت "أسلمتها" الآن بما يتناسب ومتطلبات الحرب المقدسة ضد اليهود.

هذا الصنف من المعاداة للسامية قد أصاب للأسف الكثير من الفلسطينيين –وبعضا من المناصرين لهم في الغرب. إن هذا يؤجج النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المرير الذي تشير إليه في رسالتك، لكنه يقترب من التقديس المشين للحقد والاستشهاد داخل العالم العربي.

لقد غدت معاداة السامية أفيون الجماهير العربية. لذلك غدا من الصعب تحييدها. وبالنهاية فإن الحكام العرب يجدون مصلحة لهم في تأطير غضب شعوبهم وتوجيهها ضد إسرائيل وأميركا واليهود.

إضافة إلى ذلك سيستمر الإسلام المناضل في التطور من أجل سد الفراغ السياسي، طالما سيظل العالم العربي يفتقر إلى جدال حر وإلى إدخال إصلاحات على الإسلام وإرساء مساواة في الحقوق بين المرأة والرجل.

لكن هناك بعض الأشياء يمكن القيام بها الآن. لا بد أن تتقلص الحملة المكثفة حاليا ضد اليهود داخل صفوف سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية وداخل الدول العربية.

وعلى أوروبا أن تتدخل بصفة أكثر نشاطا ضد معاداة السامية الإسلامية في الشرق الأوسط وعلى أرض بلدانها أيضا. كما يمكن لإسرائيل أيضا أن تبدي أكثر حساسية تجاه آلام الشعب الفلسطيني، وإن كان هذا الأمر صعبا خلال فترة الانسحاب من قطاع غزة.

مع مودتي
روبرت فيستريش

عزيزي روبرت

إن تاريخ النزاع يعلمنا، حسب ما أعتقد، أمرا أساسيا حول موضوع نقاشنا. عندما لا يستطيع شخصان أن يتوصلا إلى اتفاق، يميل كلاهما إلى تطوير نمط تفكير عدائي يشنع الطرف المقابل ويخفف الحمل عن نفسه.

وفي تلك الأثناء التي يلجأ فيها كل من الطرفين إلى استعمال صور نمطية سلبية عن الآخر لا يكون بوسع أي من الطرفين أن يكتشف تعصبه الخاص.

لكنك تكتب كما لو أن طرفا واحدا في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني-الطرف العربي- هو الذي يملك رؤية عدائية. إنني أشاطرك تخوفاتك إزاء الرؤية التي تعتبر تحطيم دولة إسرائيل جزء من الصراع الشامل بين الإسلام والكفار.

وأنا منزعج كذلك لمواقف هذه المجموعات التي تستند إلى مرجعية معاداة السامية التقليدية. لكن، ماذا عن رؤية الطرف الآخر: تلك التي تعتبر الانتفاضة جزء من حرب كونية ضد اليهود؟ أو تلك التي تستخدم ضد الفلسطينيين تصويرات عنصرية ومعادية للإسلام؟

علاوة على ذلك فأنت تعمد إلى استخدام تعميمات على شعوب بأكملها. تشير إلى "انتشار تقديس مشين للحقد والاستشهاد داخل العالم العربي" وتكتب قائلا بأن معاداة السامية قد تحولت إلى "أفيون الجماهير العربية". وتقدم "الإسلام المناضل" كقوة معادية للسامية في جوهرها "ستستمر في التطور لسد فراغ سياسي".

لكن الحقيقة غير هذا في ما أعتقد. فمن ناحية، هناك تعصب وتعفف كاذب لدى كلي الطرفين معا. ومن ناحية ثانية، الأغلبية الكبرى لليهود والمسلمين ترى فائدتها بكل بساطة في التطور بحياتها قدما وليس في التحول إلى شهداء أو أبطال في حرب دينية أو قومية.

أجل، لقد كانت هناك "سلسلة متصلة من الأفكار المسبقة" ضد اليهود في تاريخ معاداة السامية. لكن الأمر يتعلق هنا بالتاريخ الأوروبي وليس بتاريخ الشرق الأدنى. وبسبب هذه الأفكار المسبقة اعتبر اليهود في أوروبا طائفة مريبة وذات سلطان.

وفي الحقيقة قد تم تهميش أغلب اليهود(مثل أسلافي) وملاحَقتهم، ولذلك بالذات كانت الصهيونية تعتبر نفسها حركة سياسية لتقوية سند الضعفاء.

وقد نجحت في ذلك: فإسرائيل اليوم تمثل قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط. وعندما يرد أناس الفعل على الطريقة التي تمارس بها الدولة العبرية سلطتها وبصفة خاصة في المناطق المحتلة، أو عندما ينظر إليها كرأس حربة للقوة العظمى الأميركية: فإن هذا ليس من قبيل الأفكار المسبّقة.

ولا هو أيضا بمعاداة للسامية. وعندما نعلن بأنها معاداة للسامية، والحال أنها ليست كذلك، فإننا لا نجرد العبارة من قيمتها فحسب، بل نُفقد أنفسنا المصداقية أيضا ونثير استنكار أناس من ذوي النوايا الحسنة.

كان لزاما علينا بالأحرى أن نقول لهؤلاء: "عاملوا إسرائيل مثل أية دولة أخرى، والصهيونية مثل أية حركة سياسية أخرى. انتقدوهما أو عارضوهما على قاعدة الاعتراضات الأخلاقية والسياسية والدينية.

لكن تذكروا دوما معاداة السامية: تفادوا استثارة الصور النمطية السلبية حول اليهود، ولو كان سهوا وكلاما عارضا." أما بالنسبة للعالم العربي والإسلامي فينبغي أن نضيف:

"كل مرة تستندون فيها إلى معاداة السامية لا تفعلون سوى تأجيج نار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وذلك بتصعيد مشاعر الحنق والخوف التي يحس بها الكثير من اليهود في إسرائيل وفي العالم كله-وهو أمر يمكن تفهمه."

ومع ذلك سيظل صوتنا غير مسموع طالما لم نعبر عن موقفنا ضد التعصب في كلي الطرفين-لا ضد معاداة السامية فقط، بل أيضا ضد معاداة الإسلام والعنصرية المعادية للعرب.

مع مودتي
بريان كلوك

عزيزي بريان

قبل حين اتخذت "جمعية الأساتذة الجامعيين"(Association of University Teachers ) البريطانية قرارا بمقاطعة* عدد من الجامعات الإسرائيلية. لكن هذه الجمعية لا تتخذ إجراءات من هذا النوع تجاه الأكاديميين الروس بسبب الأعمال الفظيعة التي ترتكب في الشيشان، أو تجاه المعاهد الفلسطينية التي يمجّد داخلها الإرهاب الجهادي.

وحدها الجامعات الإسرائيلية التي تتميز بالتعددية هي التي يقع التركيز عليها بسبب معاملات التمييز. إن المبادئ ذات الطابع الإزدواجي والتعفف الكاذب، حسب معاييرك ليست سوى تعبير عن التحيّز الذي يوجد لدى الطرفين.

لكنني على رأي مغاير في هذا الشأن. وكل قرار بمقاطعة إسرائيل لا يمكن تفسيره دون الإحالة على معادة السامية. إن موقفك الذي هو بعيد كل البعد عن "الموضوعية" يقلل من مدى تأثيرات القوى السياسية والليبرالية التي تشكك في شرعية الصهيونية.

وما شاهدناه في السنوات الماضية الأخيرة هو بالفعل نوع جديد من معاداة السامية يعمل بتستر خلف واجهة إنسانية، ويشوه إسرائيل واليهود بنعتهم باطلا بالـ"عنصرية".

وعلاوة على ذلك فأنت تتجاهل الطابع السائد للحقد الإسلامي على اليهود في الشرق الأدنى، وكذلك إلى أي مدى قد استطاعت هذه المعاداة أن تسمم أجواء الجدال في أوروبا. وعلى العكس تماما مما تشير إليه أنت، فإن الحقد المعادي لليهود لم تعد تحركه دوافع عنصرية، مسيحية أو أوروبية فقط.

بل إن الإسلاميين هم الذين يقودون تحريك المسألة اليوم عن طريق تشنيع أميركا وإسرائيل واليهود. وتحاكيهم في ذلك بصفة مواربة جبانة وسائل الإعلام وأكاديميون وفنانون ونخب دينية وسياسية أوروبية-من الاتحاد الأوروبي-.

لذلك تبدو مناداتك بالوقوف معا لمحاربة "معاداة الإسلام" ومعاداة السامية أمرا عجيبا نوعا ما، وغريبة عن الواقع. ثم إنه ليس مما يمكن أن يخدم قضية مناهضة العنصرية أن تنفي، أنت بالذات، الخصوصية التي تتميز بها الأصناف المختلفة من التعصب، علاوة على كونك تغفل أن مسلمين عربا هم المتورطون غالبا في عمليات الاعتداء المعادية لليهود في البلدان الأوروبية.

كما أنك لم تتناول بجدية في رسالتك التأثير الذي يمارسه الهوس العدائي ضد إسرائيل كسبب رئيسي في انتشار العنف والإرهاب في العالم. هذا الهوس يذكّر بطريقة مخيفة بالشطحات الخيالية التي تكوّن الأسس التي يرتكز عليها الشكل التقليدي لمعاداة السامية. إن أنماط التفكير الإسلامية واليسارية المعاصرة تجعل من إسرائيل سببا في تخلف وانحطاط العالم العربي، تماما مثل فعلت أوروبا بإلقاء المسؤولية في أزمتها التي لم تنفرج على "الآخر" اليهودي.

لذلك أنا لا أعتقد أن "إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي" ستكون ممكنة أو مرغوبة بالنسبة للشعب اليهودي. إن مثل هذه "الحلول" لمسألة معاداة السامية قد جُربت من قبل وكان مآلها الفشل. أما إذا ما استطاع العرب أن يفهموا أن الجهل وانعدام الحريات هي أعداؤهم وليست إسرائيل، فعندها سيكون السلام ممكنا فعلا.

مع مودتي
روبرت فيستريش

روبرت فيستريش مدير معهد فيدال ساسون لمعاداة السامية في الجامعة العبرية في القدس.
بريان كلوغ باحث في مجال الفلسفة في سانت بينيتس هول في أكسفورد. وهو أحد الأعضاء المؤسسين للمنبر اليهودي للعدل ولحقوق الإنسان.

* تم رفع مقاطعة "جمعية الأساتذة الجامعيين"(Association of University Teachers) البريطانية

بمبادرة وتحت رعاية مونيكا يونغ منيب.
الترجمة إلى العربية علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

ضحالة الوعي الديني وتضامن مع الفلسطينيين
الباحثة المسلمة في علم الاجتماع إرمغارد بين تحدثت مع قنطرة عن اتهامات العداء للسامية الموجهة إلى الشباب المسلمين في أوربا وعن التقصير لدى الجالية المسلمة في ألمانيا في مكافحة هذه الظاهرة

هل الإسلام معاد للسامية؟
يناقش في الآونة الأخيرة في عدد من الدول الأوربية ظاهرة ازدياد العداء ضد السامية ودوما يتم التطرق إلى دور الشباب ذي الأصل الإسلامي ومدى ارتباط انتمائه الديني بموقفه المعادي من اليهود في بلد إقامته. حوار مع شتيفان فيلد المختص في العلوم الإسلامية.