فرصة ذهبية للإسلاميين

تعدّ الانتخابات البرلمانية، التي تبدأ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، خطوةً أخرى في طريق الانفتاح السياسي. من المستبعد أن تغير الانتخابات المشهد السياسي في مصر، ولكنها ستكون حتما اختبارا حاسما لجماعة الإخوان المسلمين. تقرير فايت ميديك

​​تعدّ الانتخابات البرلمانية المصرية خطوةً أخرى في طريق الانفتاح السياسي للبلاد. من المستبعد أن تغير الانتخابات المشهد السياسي في مصر، ولكنها ستكون حتما اختبارا حاسما لجماعة الإخوان المسلمين. تقرير فايت ميديك

لم يمض على الانتخابات الأخيرة في مصر أَكثر من شهرين. نتيجة الانتخابات جاءت في صالح الرئيس الحالي حسني مبارك الذي حصل على أَغلبية ساحقة وبنسبة تزيد عن 88 بالمائة. لقد كانت الفرصة في النجاح معدومة تمامًا لدى منافسيه التسعة، على الرغم من الجهود الهائلة التي بُذلت في المعركة الانتخابية.

اتحاد الأَحزاب المعارضة

من الممكن أَنْ يكون انقسام المعارضة قد ساعد مبارك على الفوز الواضح. حينها حالت العداوات الشخصية والصراعات السياسية القديمة دون تشكيل معارضة قوية قادرة على خوض المعركة الانتخابية وقوّضت مصداقية الأحزاب المشاركة. لكن هذه الحال اختلفت على الأَقل الآن قبيل الانتخابات البرلمانية.

يعلّق كبار السياسيين المعارضين على الانتخابات البرلمانية أَهمية أَكبر بكثير من أَهمية الانتخابات الرئاسية، التي تم وصفها ليس فقط في مصر بلعبة محسومة نتيجتها قبل خوضها.

وكردّة فعل على ذلك قام القسم الأَكبر من التجمّعات المعارضة بتوحيد صفوفها في جبهة موحّدة أطلقت عليها اسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، وتأمل أَنْ يتسن لها أَخيرًا من خلال هذه الخطوة تشكيل قوة سياسية مضادة للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم.

وحتى الآن تحظى المعارضة في مجلس الشعب المصري فقط بأربعين مقعد من بين 444 مقعد، وبذلك فإنّ وضعها في البرلمان أَقرب إلى الشكلي منه إلى قوة سياسية فعّالة. ومع أَنّ التجمّعات المعارضة الثمانية لن تخوض الانتخابات كحزب واحد، إلاّ أَنّها اتفقت على أَنْ يترشّح عنها في دائرة انتخابية مرشح واحد فقط ليخوض الانتخابات ضد مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي.

ولكن لا يمكن التكهّن فيما إذا كانت هذه المغامرة ستتوّج بالنصر بعد نهاية الجولة الانتخابية الثالثة في الـ7 من كانون أَول/ديسمبر - وذلك بسبب التباين والاختلاف بين التجمّعات المشاركة.

فهكذا يضم الائتلاف بالإضافة إلى حزب الوفد البارز كذلك الحركة المعارضة "كفاية" وحزب التجمّع". لهذا السبب يبقى أَنْ ننتظر إلى أي حدّ سينجح أتباع هذا الائتلاف في جعل البراغماتية والإرادة الجماعية فوق قناعاتها السياسية الخاصة.

دور الإخوان المسلمين

على الأَرجح أَنْ السياسة ستُحسم خارج إطار الائتلاف وسيكون المسؤول عن ذلك أَيضًا الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين. إذ أَنّ جماعة الإخوان المسلمين رفضت في الفترة التحضيرية المشاركة في الائتلاف وقررت أَنْ تقدّم مرشحيها كمستقلين.

ومع أَنّ جماعة الإخوان المسلمين ممنوعة رسميًا، بيد أَنّ الحكومة أفسحت لها المجال أَثناء المعركة الانتخابية بصورة غير متوقعة وأَفرجت عن أَعضائها القياديين المعتقلين. تحت شعار "الإسلام هو الحل" يأمل الأخوان في أَنْ يزيدوا من عدد مقاعدهم في مجلس الشعب من 17 مقعدًا إلى 50 مقعدًا.

يبدو أَنّ هذا الأَمل ليس خاطئًا تمامًا، لا سيما وأَنّه يتم كسب الانتخابات البرلمانية عبر مشاكل محلية. لقد اندمجت جماعة الإخوان المسلمين في المجتمع المصري في العقود الأَخيرة كمنظمة تقوم بأعمال البر والإحسان، وهي لا تواجه لهذا السبب إلاّ القليل من المشاكل في نقل تصوراتها إلى المواطنين.

وللمرّة الأولى يحقق الإخوان أيضا مكاسب من الانفتاح السياسي البسيط، الذي قام به حسني مبارك مع تغيير في الدستور في بداية هذا العام. وبينما بقيت المشاركة محظورة على الإخوان في الانتخابات الرئاسية، دعوا هذه المرة بشكل علني لبرنامجهم السياسي وقام مرشحوهم بتنظيم مجموعة من المؤتمرات للمعركة الانتخابية.

موقف الولايات المتحدة الأمريكية

من الجائز أَنْ لا يحظى هذا بدعم من الخارج، لا سيما من الولايات المتحدة الأَمريكية التي كانت تؤيد موقف الرئيس حسني مبارك في السنين الأَخيرة، بعزل جماعة الإخوان المسلمين سياسيًا. لكن يبدو أَنّ تطبيق الديموقراطية بشكل كلي في مصر من دون مراعاة التجمعات الإسلامية المعتدلة يكاد يكون مستحيلاً. ولم يحول حظر جماعة الإخوان المسلمين والإجراءات القمعية من قبل الحكومة قط دون المشاركة الفعّالة للإخوان في الحياة السياسية.

ومشاركتهم الرسمية في العملية السياسية تقدّم لهم إمكانية لمعرفة التأييد الفعلي من قبل الناخبين المصريين. وفضلاً عن ذلك يمكن أَنْ تكون هذه المشاركة بمثابة دفعة من أَجل اندماج الإخوان كحزب إسلامي في النظام السياسي، يعمل ضمن الاطار القانوني والدستور. إذ ظهر في كل من تركيا والمغرب أَنّه لا يجوز الحكم بادئ ذي بدء على مشروع كهذا بالفشل.

فهكذا تتيح الانتخابات البرلمانية على الأَقل الفرصة لخلق معارضة أَكثر قوة؛ هي فقط بإمكانها الضغط أَكثر على الحكومة وبذلك يمكن أَنْ تحدّ جزئيًا من احتكار حسني مبارك للحكم.

بقلم فايت مديك
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005

فايت مديك صحفي ألماني مقيم في برلين.

قنطرة

دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر
بعد الإعلان عن فوز الرئيس مبارك اندلع الجدل حول تفسير هذه النتيجة. فبينما اعتبر الحزب الحاكم ومعه الرئيس نتائج الانتخابات بمثابة تكريس لشرعيتهما على نحو ديموقراطي، هاجمت كل شرائح المعارضة تلك النتائج.

ضعف الأمل في التغيير الديموقراطي ولكن ...
كثير من المصريين على قناعة بأن نتيجة الانتخابات معروفة مسبقا، رغم ذلك فمن الممكن اعتبار تعديل الدستور والمعركة الانتخابية ونشاط الحركات المعارضة خطوة أولى في الطريق إلى تغيير سياسي فعلي.