الأسباب الحقيقية في إشكالية الاندماج

لا زالت أصداء مقتل المخرج الهولندي تيو فان كوخ على يد أرهابي إسلاموي تثير الكثير من اللغط، وقد كتب بيتر فيليب التالي حول الأمر.

الاقلية العرقية المعروفة باسم Sorben والتي تنحدر من اصل سلافي تعيش منذ قرون عدة في المانيا في منطقتي براندن بورغ و ساكسونيا. والمنتمون الى هذه الاقلية - عددهم حوالي 60000 نسمة - يتحدثون بلغتهم الخاصة. كما تؤخذ هذه اللغة بعين الاعتبار في تسمية البلدات والشوارع. ثم انهم يقومون بممارسة ومعايشة ثقافتهم هذه وهم فخورون بذلك خصوصا وأن الدولة الالمانية تضمن لهم المساندة القانونية في ذلك.

المجتمعات الموازية

حقا يمكن الحديث هنا عن مجتمع مواز للمجتمع الالماني بمفهومه العام ولكن هذه الموازاة ليست بالمفهوم السلبي كما هو الامر عند الحديث عن ثلاثة ملايين و200 الف من المسلمين الذين يقيمون في المانيا والذين وصفتهم مجلة فوكوس في اولى صفحاتها وبدون مبلاة بـ"الزائرين المشكوك فيهم".

بمعنى ان هؤلاء واغلبيتهم العظمى من الاتراك مشكوك في امرهم وقد يمثلون داخل المانيا الطابور الخامس لأسامة بالادن، والا فكيف يمكن شرح تلك الانتقادات اليومية اللتي تتحدث عن قيام مجتمع مواز للمجتمع الالماني في الاحياء والبلدات التي يقطنها الاتراك في تناقض مع فكرة الثقافة المسيحية الالمانية السائدة في البلد.

مقتل فان كوخ.. والنساء المسلمات

مناخ الهيستيريا هذه لم يكن بسبب أحداث وقعت في المانيا بل بسبب مقتل المخرج السينما ئي الهولاندي تيو فان كوخ. غير ان ما حدث في امستردام استقطب في المانيا كل اولائك الذين أزعجهم منذ زمن طويل ارتفاع عدد المسلمين هنا. وهكذا بدأ الحديث بين عشية وضحاها عن النساء المسلمات وعن مصيرهن وبدأ الحديث عن اللغة التي يجب على المسلمين استخدامها في صلواتهم، كما بدأ الحديث عن الفشل الكامل لمجتمع التعددية في وقت لم تتعود فيه أغلبية الشعب الالماني بعد على ثقافة التعددية.

السياسيون من كل الاتجاهات اسرعوا ايضا الى نشر أفكارهم والتصريح بدعوات في هذا الموضوع وكأن هناك شيئا جديدا حدث ويجب تناوله في التصريحات، علما ان الامر يرتبط بمواضيع معروفة كان من الواجب العمل على تغييرها وتحسينها من قبل. غير ان ذلك لم يتم بسبب عدم الامبالات أو قصرالنظر ليساهم ذلك في زيادة مستوى تقوقع المسلمين في المانيا.

المشكلة.. وآفاق الحل

ليس هناك من دواء ناجع يمكنه علاج هذا الوضع سريعا: فالمسلمون الذين لا يتكلمون حاليا اللغة الالمانية لن يتمكنوا من تعلم هذه اللغة خلال اسبوع او اسبوعين، ومن أقام بالمانيا مدة طويلة ولم يندمج فيها فانه لن يفلح في تغييرذلك سريعا، خصوصا مع موقف الاغلبية في هذا المجتمع الذي تغويه عناوين المجلة التي تحدثت عن "الزائرين المتشكك فيهم".

انه من الخطأ التركيز على مصطلح المجتمعات الموازية لأن ذلك يؤدي نهاية الامر الى عكس ما يرتجى. فمن الطبيعي ان يكون لدى الناس شعور ورغبة بارتباط اكبر مع الذين تجمعهم معهم قواسم مشتركة. وهناك امثلة على ذلك مثل التجمعات الصينية في شمال اميركا المعروفة بـ chinatown وغير من تجمعات الاقليات. وجرمان تاون ايضا التي نزل بها المهاجرون الالمان في الولايات المتحدة هي افضل تذكار تاريخي لهذه الظاهرة.

حال اقلية سوربن التي أشرنا لها في البداية ليس هو المشكلة، وانما هي تكمن في السؤال هل هناك مخاطر قيام دولة داخل دولة. هذا الأمر مرفوض بشكل نهائي، وحينما تتأزم الأمور يلزم على الدولة ان تتدخل حينها.

تعليق: بيتر فيليب

ترجمة: عبد الحي العلمي

© DEUTSCHE WELLE/DW-WORLD.DE 2004