وجهة نظر عربية

نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني يحتفل الاتحاد الأوربي ودول حوض البحر المتوسط بمرور عقد كامل على بداية الشراكة الأورومتوسطية. العديد من المحللين العرب يتساءلون عن محصلة هذه الشراكة. تقرير غوتس نوردبروخ.

"أوروبا .. أو نموت" هكذا كان شعار اللاجئين الأفارقة وهم يحاولون اجتياز الحدود إلى أوروبا في المغرب والجزائر وليبيا. إن الكاتب المصري علي سالم يعلق على هذا ويقول:

"أوروبا هي ضمير هذا العصر، هي محصلة مشوار الإنسان الطويل الممتليء بكل ممارسات الإنسان الوحشية. إنها الدليل المجسد علي أن الجريمة لا تفيد. هناك من يعتقد أن السياسة ليست أكثر من جرائم لابد من ارتكابها في حق البشر، غير أن أوروبا بعد كفاح طويل تمكنت من الوصول إلي محطة حقوق الإنسان ثم وقفت علي مبعدة منا تقول: من يريد أن يلحق بي أو يلتحق بي، عليه أن يغسل سجل حقوق الإنسان عنده".

قبيل الإحتفالات الرسمية بالذكرى العاشرة لعملية برشلونة الأورومتوسطية يومي السابع والثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام أصبحت العلاقة العربية تجاه أوروبا مثار جدل ونقاش من جديد.

كما ساهمت مشكلة اللاجئين في المغرب وبدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أوائل أكتوبر/تشرين الأول هذا العام في جعل هذه الاتفافية - التي تمت في برشلونة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995 - محل استفهام في الدول العربية.

أوربا قدوة

وصورة أوروبا المثلى، التي رسمها علي سالم لجريدة الراية القطرية، على ضوء صورة العالم العربي لم تلقَ قبولا عند جميع الكتاب، ذلك لأن أوروبا ليست فقط قدوة في الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية التي يطالب بها السيد سالم للبلاد العربية. إن أوروبا تعتبر أيضا عاملا سياسيا واقتصاديا في مسار التطورات الإجتماعية في منطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط.

ومن وجهة نظر البلاد العربية المجاورة للبحر الأبيض المتوسط - التي عقدت اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي – فإن محصلة هذه الشراكة تعتبر متناقضة، وليست خيبة الأمل الاقتصادية هي التي كانت فقط سببا في القلق على الجانب العربي.

إن الإصلاحات الإقتصادية، والتي تعتبر جزءً من اتفاقيات التعاون وصفها المعلق المصري شريف حتاته على سبيل المثال بأنها تناقض للمسلّمات الديمقراطية العظيمة التي ينادَى بتطبيقها في المنطقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة.

ويكتب شريف حتاته في الأهرام الأسبوعي: "لا يستطيع أحد أن يرفض الإصلاح أو ينكر أن كثيرا من الناس في مصر يناضلون من أجل الديمقراطية. إن علينا أن نراقب بعناية ما يُملى علينا كإصلاحات ديمقراطية وأن نقرر إذا ما كانت هذه الإصلاحات سوف تغير بالفعل شيئا في الحكومات المستبدة التي نعيش تحت حكمها منذ سنين عديدة".

ويستطرد متسائلا: "هل يمكن الفصل بين الحريات الديمقراطية وبين توزيع الثروة، وهل يمكن الفصل بين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية؟ ألم يكن هناك صراع جوهري بين النظام الذي أدّى إلى تدهور التصنيع والخصخصة الإقتصادية الذي تورطنا فيها من ناحية وبين التطبيق الديمقراطي الذي يستحق بالفعل هذه التسمية"؟

أهداف متناقضة

ولا تبدو أهداف الشراكة المعلنة من قبل أقل تناقضا، فقد تم تحويلها من الجانب الأوروبي أكثر وأكثر إلى الكفاح المشترك ضد الإرهاب وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية.

ويقول السيد ميسوم صبح، مستشار الرئيس الجزائري بو تفليقة: "إن الأوروبيين وشركاءهم في الاتفاقية من دول البحر الأبيض المتوسط ينادون بحريّة انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال، ولكنهم يضاعفون في نفس الوقت من القيود على حرية حركة الإنسان. وليس من المعقول أن ينادي المرء بين المثقفين والباحثين بالحوار حول الحضارات والتبادل بين المجتمعات من ناحية، ومن ناحية أخرى توضع العراقيل أمام لقاء القائمين على الحوار والتبادل".

وفي هذا المعني يشير السيد أشرف فهيم في تعليق له بجريدة ديلي ستار اللبنانية إلى اهتمامات الاتحاد الأوروبي الواضحة وضوحا شديدا، والتي تؤثر على السياسية الخاصة بدول البحر الأبيض المتوسط بصورة أشد من تصريحاتهم وآرائهم.

أين حقوق الإنسان؟

ويكتب أشرف فهيم: "بينما يقوم الاتحاد الأوروبي بتنفيذ أجندته الاقتصادية طبقا لأهدافه بالضبط، فإنه لا يغامر إلا بالقليل من أجل دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالديمقراطية وحقوق الإنسان وُضعت تحت مصطلح (القيادة الحكيمة). إن جماعات حقوق الإنسان قد انتقدت قلة إستعداد الاتحاد الأوروبي لتنفيذ بنود حقوق الإنسان في إتفاقية الشراكة. ومثالا على ذلك فقد نالت سوريا جدولا زمنيا لتخفيض الجمارك، أما الإصلاح السياسي فلم يحظ بمثل هذا الجدول الزمني".

ويحذر أشرف فهيم من المبالغة في تقدير دور الاتحاد الأوروبي كبديل عن الولايات المتحدة الأمريكية، ويعبر عن ذلك قائلا: "قد يفضل المرء سياسة الاتحاد الأوروبي على الطريقة الشائعة في واشنطن بتدريس الديمقراطية للبلاد المحتلة".

ومع كل ذلك فإن هذا الجدل لا يتعلق فقط بمصالح الاتحاد الأوروبي، ولكنه يتعلق على وجه الخصوص بالإحساس الذاتي للمجتمعات العربية وعلاقتها بأوروبا. وفيما يتعلق بالجدل الخاص بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يذكرنا السيد حسن شامي في مقال بجريدة الحياة بعلاقات الإمبراطورية العثمانية بأوروبا التي ظلت قرونا طويلة، وما نتج عنها من تغيرات إجتماعية وإصلاحات سياسية في البلاد العربية.

إذ كانت تلك التغييرات - التي كانت ضرورية عند الحاكم المصري في القرن التاسع عشر - ما هي إلا علامة من علامات القرب من أوروبا. ويذكر حسن شامي أن الخديوي إسماعيل بيّن عام 1876 التناقض في هذه العلاقات - بخصوص الإصلاح الجذري الذي ساهم في تمدن مصر وقوّى في نفس الوقت النفوذ الأوروبي – قائلا: "لقد أصبحت بلادي قطعة من أوروبا".

بقلم غوتس نوردبروخ
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

الحصن الأوربي
مآسي اللاجئين على الحدود الإسبانية-المغربية تبين أن ظاهرة الهجرة ليست مشكلة عارضة. فطالما لا يرى الناس آفاقا مستقبلية في أوطانهم، فلن تنجح الطرق التقليدية لحماية حدود الاتحاد الأوروبي. تعليق بيتر فيليب

طغاة أمام أبواب أوروبا
يخلق الدعم الأوروبي الذي يناله طغاة يحكمون الضفة الأخرى للبحر المتوسط أحاسيس الكراهية والحيرة واليأس في نفوس شعوب تلك المنطقة. تلك هي الخلاصة التي وصل إليها كل من سهام بن سدرين وعمر مستيري في كتابها الصادر حديثا