ضغوط سياسية ومصالح متضاربة

على الرغم من تقارير صادرة عن أجهزة المخابرات الأمريكية تشير إلى أن إيران قد عدلت عن برنامجها النووي قبل عدة سنوات اتفقت الدول الست الكبرى في برلين على مشروع قرار جديد للأمم المتحدة ينص على فرض عقوبات جديدة على إيران. مقال كتبه بهمان نيروماند.

اجتماع الدول الست الكبرى في برلين، الصورة: أ.ب
"النخبة الإسلامية الحاكمة في طهران ستوظف تشديد العقوبات لصالحها"

​​قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بعد اللقاء الذي استغرق ساعتين في 22 يناير/كانون الثاني 2008 في برلين "نناشد معا وبكل إلحاح القيادة الإيرانية بأن تتجاوب ومن دون أي قيود مع مطالب مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية" وتابع قائلا: "أود أن أضيف كذلك بأن طهران تملك في يدها مفتاح الطريق نحو التعاون والتوازن. أما نحن فليس بيننا أحد يريد سلوك طريق المواجهة، بل إننا نسعى لتكريس حل سلمي."

جاءت تهديدات وزراء الخارجية مشابهة لأسد يتوعد وهو فاقد للأنياب. وذلك لأن إيران نفسها تدرك منذ وقت طويل بأن الوفاق الذي تم استعراضه في برلين لا يرتكز إلا على أسس ضعيفة واهية. هذا وإن كان هناك بطبيعة الحال اتفاق بين كافة هذه الدول الكبرى بالعمل على منع إيران بكل الطرق من حيازة الأسلحة النووية.

فقد أكد شتاينماير ذلك قائلا: "نحن متفقون على أن حيازة إيران للأسلحة النووية ستكون لها تداعيات في غاية الخطورة". لكن هناك اختلافات في الوجهة حول كيفية منع إيران من أن تصبح دولة تمتلك هذه الأسلحة.

لا تشكل إيران خطرا "مباشرا"

نود أن نلاحظ في بادئ الأمر بأن التقرير الذي نشر عن المخابرات الأمريكية في ديسمبر (كانون الأول) قد أضعف على قدر كبير من مركز الدول الممتلكة لحق النقض (الفيتو) وألمانيا. فقد أوضح التقرير المذكور أن إيران أوقفت في عام 2003 برنامجها النووي. صحيح أن خطر استعادة هذا البرنامج ما زال واردا، إلا أن هذه الدولة ستحتاج في مثل هذه الحالة إلى سنوات طويلة، لكي تصبح قادرة على إنتاج القنبلة النووية. بالإضافة إلى ذلك فقد أكدت طهران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها ستقدم إجابات على كافة الأسئلة التي ما زالت عالقة في موعد أقصاه بداية شهر مارس (آذار) المقبل.

في ضوء هذه المعطيات فإن التفكير في اتخاذ إجراءات متشددة لا يبدو بالأمر المعقول، فطالما ثبت عدم وجود خطر مباشر نابع من الطرف الإيراني فإنه من غير المنطق جعل إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران أمرا يعتمد على وقفها لعملية تخصيب اليورانيوم.

هذا ولاسيما أن إيران تملك الحق بحكم كونها من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود الحراري النابع من ذلك بغرض الاستفادة السلمية من الطاقة النووية داخل البلاد. لا يمكن كذلك تفهم الموقف الأمريكي في هذا السياق، فبينما تبدي واشنطن استعدادها للتفاوض مباشرة مع إيران في الشأن العراقي فإنها ترفض التفاوض معها حول النزاع النووي، وفيما تجري واشنطن مفاوضات مع كوريا الشمالية حول المسائل النووية والتي تصنفها ضمن دول "محور الشر" فإنها تمتنع عن القيام بذلك في حال إيران.

مفاوضات أو حرب أو عقوبات صارمة

على الرغم من هذه المعطيات فإن هناك إلحاحا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ومؤخرا حتى فرنسا باللجوء إلى عقوبات صارمة ضد إيران. كما أن هذه الدول لا تستبعد حتى خيار اللجوء إلى هجوم عسكري. أما ألمانيا فإنها تحبذ خيار المفاوضات سبيلا لحل النزاع. هنا يبدو بأن خروج وزير الخارجية شتاينماير في الأسابيع الماضية عن هذا الموقف المبدئي وتعمده السريع إن لم نقل المتسرع إلى ترتيب لقاء برلين له أسباب أخرى لا علاقة لها بالنزاع النووي الإيراني نفسه.

بهمان نيروماند، الصورة: دويتشه فيله
" تهديدات وزراء الخارجية لإيران أشبه بأسد يتوعد وهو فاقد للأنياب"

​​لقد اتخذت روسيا والصين حتى الآن على الأقل موقفا حاسما ضد تشديد العقوبات، وليست هناك حجج مقنعة توحي باحتمال تغييرهما لهذا الخط، لاسيما وأن لهاتين الدولتين مصالح اقتصادية ضخمة في إيران. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن روسيا هي المورّّد الأول للسلاح لطهران، بالإضافة إلى بنائها لأول مفاعل نووي لإيران، كما أنها تمدها بالوقود النووي.

أما الصين فإنها تعتمد على استيراد النفط والغاز من إيران وسبق لها أن استثمرت في هذين القطاعين المليارات، كما أنها في الطريق نحو غزو الأسواق الإيرانية بسلعها. وبالتالي فإن هاتين الدولتين لن تتخليا بسهولة عن هذه العلاقات المثمرة ماليا واقتصاديا، لا سيما أن هناك عددا كبيرا من الحجج المقنعة التي يمكن استخدامها ضد خيار العقوبات.

بناء على المعلومات الواردة من الأوساط الدبلوماسية فقد عقد الاتفاق في برلين على مصطلح "التشديد المعتدل" للعقوبات السارية وذلك للتوفيق بين المواقف المتضاربة للدول الست. بغض النظر عن معنى هذا المصطلح فإن محتوى مشروع القرار الذي عقد الاتفاق بشأنه ما زال مجهولا.

طهران تتمسك بموقفها عنادا

بعد انتهاء اللقاء مباشرة دلت تصريحات صادرة عن وزير الخارجية الروسي بأن الاتفاق المعقود يخضع لتفسيرات بين هذه الدول يختلف بعضها عن الآخر على وجه كبير. فقد ذكر سيرغيي لافروف بأن مشروع القرار لا يتضمن عقوبات جديدة ضد طهران، مضيفا بأن نص المشروع يشمل " إجراءات جديدة للتأثير" (على إيران) وبأن الإجراءات المذكورة ليست لها صفة العقوبات بالمعنى الدقيق. واستطرد الوزير الروسي بقوله إن تلك الإجراءات تتخذ صيغة "نداء موجه لكافة الدول" بوجوب التزامها إزاء علاقاتها مع إيران بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تم التوقيع عليها من طهران أيضا.

بوجه عام كان من قبيل السذاجة أن يعتقد المرء بأن النخبة الإسلامية الحاكمة في طهران سوف تنحني تحت وطأة العقوبات بغض النظر عن طبيعتها. فقبل إجراء لقاء مجموعة الدول الست في برلين مباشرة صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة الإيرانية ، غلام حسين إلهام، بأن الأمة الإيرانية سوف تتمسك بطريقها في اتجاه الأهداف النووية وبأنها تتحرك في هذا السياق في "إطار شرعي من الناحيتين القانونية والأخلاقية"، مضيفا بأن هذه التطلعات لن يغيرها حتى أي قرار جديد صادر عن الأمم المتحدة.

هذا البيان يمكن تفسيره بأنه يعكس إصرارا عنيدا من إيران على مواقفها، لكن بالإمكان تفسيره أيضا على أن الطبقة الإسلامية الحاكمة في إيران لا تساورها الخشية من العقوبات وانه لن يكون لها تأثيرات وتداعيات على هذه النخبة. وهذا ما خلص إليه أيضا استنتاج صدر عن هيئة التدقيق التابعة للكونغرس الأمريكي :

فقد ورد في تقرير صادر عن الهيئة في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) بأن طهران أبرمت منذ عام 2003 على الرغم من العقوبات المفروضة عليها اتفاقيات بقيمة 20 مليار دولار لاستخراج موادها الأولية. ورد في ذلك التقرير أيضا: "إن العلاقات التجارية لإيران على مستوى دول العالم وقدرتها الإنتاجية العالية في إنتاج الطاقة يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية عزل إيران وتوجيه الضغوط عليها".

حتى وإن افترض بأن العقوبات ستشكل عبئا جسيما على الاقتصاد الإيراني وتفرز بالتالي أزمة في البلاد فإن كل من عرفوا طبيعة النظام الحاكم في إيران يدرك بأن العقوبات قد تلحق أذى بالمواطنين العاديين، لكنها لن تكون قادرة على إرغام النظام على العدول عن مواقفه. فعلى العكس تماما، فالنظام بحاجة إلى نشوب الأزمات كحال اعتماد الأسماك على الماء من أجل البقاء.

يؤدي تواصل الأزمات لاسيما في مجال السياسة الخارجية بما في ذلك الأزمات المفتعلة من النظام إلى إغفال الاهتمام عن فشل عمل الحكومة وعن لجوئها إلى تشديد حدة إجراءات القمع الموجهة ضد نقادها وتعبئتها للجماهير المفتقدة للوعي ضد الأعداء وتسخيرها الدعائي لصورة العدو. من هنا يتبين لنا بأن تشديد العقوبات في حالة اللجوء إلى ذلك سوف يؤدي إلى عكس الأهداف المرجوة.

بهمان نيروماند
ترجمة: عارف حجاج
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

زيارة بوش الأولى إلى الشرق الأوسط
"تهيئة المناخ الإقليمي لعزل إيران"
يعتبر المفكر السوري برهان غليون أن هدف الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط يكمن في تحجيم نفوذ إيران المتصاعد وتحسين الشروط الإقليمية لعزلها. كما يري أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد وتفاقم أكبر لأزماتها المتعددة.

البرنامج النووي الإيراني:
هذا النذل ليس نذلاً - لأنه يتعامل معي
الوصول إلى تسوية مع الغرب يعد مكسبا كبيرا لنظام الحكم في طهران الذي فقد دعم غالبية شعبه، حسب رأي الكاتب والصحفي نفيد كرماني الذي يقدم تحليلا للسياسة الأوربية والأمريكية تجاه إيران والشرق الأوسط.

إيران والإتحاد الأوروبي:
ديبلوماسية مريبة
بينما تسيطر الآن حالة من الهدوء على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران نجد الأوربيين يسعون للتفاوض مع جمهورية إيران الإسلامية. ولكن إلى أي مدى ستنجح المساعي الأوربية في إقناع رجال الدين الإيرانيين بالتنازل في النزاع حول الملف النووي؟